لم تُخْفِ مصادر وسطية مواكبة للملفات الخلافية والأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي تضرب البلاد من كل حدب وصوب، حقيقة الأجواء القاتمة التي تسود الكواليس السياسية والدبلوماسية في لبنان والتي تنعكس بسلبياتها وعواقبها على مسار الحوار المتعثر والحراك المدني التائه ما بين العفوية وإصرار التدخلات الخارجية على افساده وحرفه عن أهدافه الحقيقية، وذلك بالنظر الى الصعوبات الضخمة التي تواجهها الدولة بأجهزتها الامنية وقواها العسكرية في مواجهة التهديدات الكبيرة والجسيمة للاستقرار الامني الذي يزيد من وطأته الانكشاف السياسي والأمني في ظل استفحال حالة الاصطفاف والاستقطاب بين طرفيّ الصراع التقليدية في البلاد أي 8 و 14 آذار و الذي يعطل جميع الحلول من أزمة النفايات مرورا بأزمة التعيينات العسكرية وآلية عمل الحكومة ووصولا إلى الاستحقاق الرئاسي الذي يبقى علة كل الأزمات ومصادرها وهذا الأمر يمكن الاستدلال عليه من خطاب العماد ميشال عون التصعيدي في الملف الرئاسي.
وشددت على ان الشتاء قد أصبح على الأبواب و يهدد بوقوع كارثة صحية وبيئية بسبب استمرار تكدس جبال النفايات في الشوارع، فيما بعض الحراك المسمى بالمدني غارق برفاهية الشعارات الواهية، والاتهامات الجزاف، وغوغائية التحركات العشوائية التي نَفّرت الناس من هذا الحراك الذي فقد الاحتضان الشعبي وبات أسير من يحركه من وراء الكواليس لغيات مشبوهة ومسمومة تريد جر البلاد نحو العدم المطبق والفوضى العارمة. ما يعني بأن أوضاع البلاد مرشحة نحو مزيد من التأزم خلال الاسابيع القادمة استناد إلى عدة مؤشرات ومعطيات محلية وخارجية، خصوصا أن هذه المؤشرات والمعطيات ليست سوى مرآة شفافة تعكس بدقة صِدام الخيارات الاقليمية بين المحور السعودي والمحور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط التي بدورها ترزح أيضا تحت تأثير الصراع الدولي بين القوى الكبرى التي تضع جميعها كل ثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي للدفاع عن مصالحها الإستراتيجية في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وكل الساحات المشتعلة في هذه المنطقة.
وبحسب الأوساط عينها أن العنف اللبناني – اللبناني الذي تغذيه العصبيات والأحقاد السياسية و الطائفية والمذهبية والمناطقية الا يزال منضبطا حتى هذه اللحظة إلا أن هذا الأمر قد لا يستمر كثيرا سيما أن هذا العنف هناك من يخشى منه ويحذر من ظهوره المفاجئ على المشهد العام في لبنان، خصوصا أن الحراك الذي بات عاجزا عن استقطاب الجماهير الحاشدة كما في 29 آب أصبح هزيلا و مختصرا على بعض الوجوه التي تفتح لها الشاشات لرفض كل شيء من أجل تحقيق لا شيء، ومن أجل اطلاق الاتهامات العشوائية الانتقائية المبرمجة والمعلبة غب الطلب ضد هذا الزعيم أو ذاك.ما يؤكد على أن هذا الحراك واستنادا إلى المعطيات والوقائع على الأرض قد بات لا يمثل إلا قلة قليلة من الشعب اللبناني التي تستخدم عن سابق تصور وتصميم من قبل المتربصين شرا بلبنان من أجل استفزاز وإثارة مشاعر بقية الشعب اللبناني الذي يرفض عن وعي ومسؤولية في أن يكون جزء من هذه المسرحية الهزيلة التي يحركها ويغذيها الإعلام غير المسؤول الممول من جهات مجهولة تسعى بشكل واضح لا لبس فيه إلى تنفيذ أجنداتها المشبوهة في تفجير الساحة اللبنانية لغايات لا تمت بالتأكيد بأي صلة إلى مصالح اللبنانيين وتحصيل حقوقهم ومطالبهم المحقة.
وتتابع بأنه لا خلاف في أن المطالب التي انطلق منها في البدايات الحراك المدني هي مطالب محقة ولا يمكن لأي عاقل في لبنان أن يرفضها، إلا ان ما حصل على أرض الواقع من تدخلات مشبوهة لبعض القوى المصحوب بهذا الضخ الإعلامي الذي أقل ما يقال فيه أنه تحريضي وغير مسؤول ولا يتمتع بأبسط قواعد الموضوعية الإعلامية والصحفية قد شوه بشكل متعمد عفوية هذا الحراك وبراءته وذلك بعد أن نجح المتدخلون في جر الحراك إلى حيث هم يريدون، أي إلى نقطة الغوغاء والتصلب والتعنت والرفض المطلق التي تستدرج انزلاق لبنان أكثر من خلال اسقاط الحكومة وتعميم حالة الفراغ في جميع المؤسسات الدستورية إلى حالة سقوط الدولة اللبنانية واندثارها لتحل مكانها حالة الفوضى الهدامة لأمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي وعيشه الوطني المشترك.
وبحسب المعلومات فأن ما يجري على أرض الشارع من حراك انقسامي هو في مكان ما ليس بعيد عن فلك بعض القوى الإقليمية التي سبق لها أن استثمرت بأموالها الطائلة وقوة اعلامها خلف شعار ما سمي بالربيع العربي بالحراك الشعبي في بعض البلدان العربية التي غرقت ولا تزال غارقة جراء هذا الاستثمار الإقليمي المدمر في بحور سفك الدماء والخراب، فتلك القوى الإقليمية المعروف دورها في استخدام الإرهاب التكفيري وسيلة لفرض أجنداتها في الإقليم هي ليست بعيدة أبدا عن استخدام الإسلوب نفسه من أجل هدم استقرار لبنان عبر استغلال عفوية الشباب وأحقية مطالبهم لضرب وحدة البلاد وإسقاط الدولة ومؤسساتها كي يكون لبنان فريسة سهلة لعبور واستقرار الجماعات الإرهابية التكفيرية ومحيطها وجوارها.
واكدت المصادر ان خلاصة الأمر هو أن ما نراه مستمر في الشارع، لم يعد ذلك الحراك الذي أيده الناس من أجل حل أزمة النفايات والكهرباء والمياه وإيجاد فرص العمل وتأمين حياة الكريمة للناس، فهذا الحراك جرى تشويهه ببعض ردات الفعل وبعض التحركات والاستفزازات والاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة وعلى المواطنين والإعلاميين والقوى الأمنية من دون وجه حق قد جعلت من هذا الحراك علة من علل البلد و وأزمة جديدة تضاف على أزماته، لا بل أن هذا الحراك بشطحاته المبرمجة في الشارع من قبل البعض بات لا يقل خطورة على أمن لبنان واستقراره من حالة التعطيل وممارسات بعض القوى السياسية التي أضاعت الفرص الثمينة على لبنان واللبنانيين، اما الأخطر في هذا الحراك فهو اثارة واستفزاز مشاعر الناس من خلال التشهير الانتقائي بشهدائها ورموزها الوطنية بأسلوب أقل ما يقال فيه بأنه الوقود الذي ترمى على جمر العصبيات الطائفية والمذهبية في لبنان لإشعال نيران الفتنة والحرب الأهلية للقضاء على ما تبقى من كيان لبناني سيد حر ومستقل.