Site icon IMLebanon

كيف الطرقات..؟

سالكة وآمنة، هكذا كانت الطرقات أمس، ليس لأن أصحاب الشاحنات أعادوا تموضع آلياتهم، ولا لأن طوابير إذلال المواطن في الطريق الى أشغاله فطرت قلوب المصعّدين والمدبرين، وإنما لأن الدولة اتخذت موقعها الطبيعي في مثل حالات تهديد السلم الأهلي، فكان تهديد «الساعة» الذي أعاد تصويب البوصلة إلى حيث يجب أن تكون: الناس الى أشغالها، المعتصمون الى هامش الطرقات، المشاغبون الى التحقيق، ورجال الأمن في الجادات وعلى المداخل التي لم تعد مختنقة بالآليات العملاقة وبذلك القهر الذي أصاب المواطن في الصميم. والأخير، كان ينقصه، هو اللاهث في يومياته خلف أرزاق لا تأتي «بالهيّن»، أن يستفتح بالسؤال:كيف الطرقات اليوم؟، ذلك أن السجن الكبير الذي دخله بسيارته أول من أمس، مع ما أعقبه من ممارسات «بلطجة» و«سلبطة» وتهديد ووعيد، أحاله الى رهينة صامتة بين الأعداد المتراصفة على قارعة اليمين والشمال وعند حدود الوسط وعلى اختلاف المداخل الى عاصمة بلد يجهد من أجل أن يطلع من عنق زجاحة عالق فيها منذ سنين، لكن ثمّة من يسعى إلى صفعه ليس للداخل فحسب وإنما الى الأعماق حيث المتراكمات تغلي وتحتدم.

أهلاً بالدولة إذاً، وهي في تدرجها السريع من الشلل العتيق الى التأهب والفعل والاستنفار، تكون نجحت في وضع نقطة على السطر الأول من أجندة معدة سلفاً لمثل تلك الممارسات الخارجة عن إطار الدول المدرجة على خارطة المدنية واحترام حقوق الانسان والسعي لحلول بديلة لا تصفّق لخراب بيئي كرمى لجيوب فئة أياً كانت معوزة، وإنما تصفّق للبدائل كرمى لحرمة وطن تنتهك معالمه وجغرافيته حتى بات على قائمة الدول المعرضة للتصحر.

وأهلاً بالدولة التي استيقظ معها اللبناني أمس على مشهدية «الأمن الممسوك»، وكان من السهل أن تشعل ضربة كف أزمات البلد التي تغلي على صفيح الطوائف والحصص والقوانين والحسابات الحزبية والفئوية..وكلها ولّادة فتن في القاموس اللبناني الذي يختلط فيه الزيت بالنار وبخراطيم المياه وبحسابات أخرى.

ولكن كيف هي أحوال الطرقات للآتي من الأيام؟. سؤال لا بد أن يأخذ مداه قبل أن يضعه اللبناني خلف ظهره ويغادر مغتبطاً بصباح يوم مشرق ينجح فيه بالوصول الى عمله في الوقت المناسب، أو قبل دقائق بقليل، من دون أمطار مطلبية يسجلها رادار الطرقات أو حتى تتربص به الدواليب والعصي والشحتار وعبارات من مثل: «نحنا الدولة».

ولأن شريعة الدولة تبقى الأبقى من شريعة الشارع، يكبر الأمل في أن تتقلص ممارسات إقفال الطرقات الى حدود الاعتصامات السلمية التي تصل معها مكبرات الصوت أسرع الى آذان المسؤولين بكثير من الحرص على البحث عن حلول وبدائل عوضاً عن البحث عن أدوات مواجهة لا تنفع معها القوة ولا حتى اللين.