عندما يدعو الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى “عدم انتظار التطورات في المنطقة ولا انتظار حوار ايراني – سعودي ولا مبادرة أميركية وأميركية – غربية لأن لبنان خارج اهتمامات الدول”، هل لكي يخرج موضوع الانتخابات الرئاسية من الملعب الايراني ويرميه في الملعب اللبناني فلا تظل ايران متهمة بتعطيل هذه الانتخابات؟ وعندما يدعو الى التفاهم والتعاون لايجاد الحلول للازمات الخطيرة التي تعصف بالبلد، والتوقف عن اضاعة الوقت بتوجيه التهم حول من يعطل الانتخابات الرئاسية” بالقول “إن من يعطل هم الذين يمنعون انتخاب الممثل الحقيقي والصحيح والمناسب في هذا البلد” وهو يعني العماد ميشال عون، إنما يجافي الحقيقة لأن من يمنع انتخاب الرئيس هم الذين يقاطعون جلسات الانتخاب منذ أكثر من سنة ونصف سنة، ويصرون على أن يكون مرشحهم هو المرشح الوحيد والأوحد وإلا فلا انتخابات، مخالفين بذلك أحكام الدستور والنظام الديموقراطي. فالدستور لا ينصّ على انتخاب من هو أكثر شعبية بين المرشحين بل على من يحصل على الأكثرية النيابية المطلوبة، فالنظام في لبنان هو نظام برلماني ديموقراطي وليس نظاماً رئاسياً، والى أن يعدّل يكون عندئذ لكل حادث حديث، مع العلم أن الجماهير الغفيرة المؤيدة لهذا الزعيم أو ذاك ليست دائماً غفورة. فالجماهير التي استقبلت السيد المسيح بأغصان الزيتون وسعف النخل وهو يدخل الهيكل هاتفة: “أوشعنا لابن داود” هي نفسها التي طالبت بصلبه وفضلت عليه اللص باراباس وطالبت باخراجه من السجن… ورئيس جمهورية بولونيا ليخ فاونسا قال إن الشعب البولوني الذي حمله على الأكتاف هو نفسه من أنزله عنها. والجنرال ديغول منقذ فرنسا تحوّل عنه الشعب في الاستفتاء الذي دعا اليه. والزعيم النازي هتلر أنهى حياته منتحراً، والزعيم الايطالي موسوليني انتهت حياته مشنوقاً ومعلقاً من رجليه. لذلك فان صوت الشعب ليس دائماً صوت الله، ولا هو يعبر دائماً عن الرأي الصحيح، وهو ما جعل الكاتب والاديب الشيخ سعيد تقي الدين يصف الرأي العام بـ”البغل”…
وعندما يدعو السيد نصرالله الى التعاطي بجدية مع الحوار القائم في مجلس النواب معتبراً أن لا بديل منه ويقول: “نحن في لبنان أصحاب قرارنا. نحن نصوّت لمن نشاء وننتخب من نشاء، ونقبل بقانون الانتخاب الذي نشاء، ولا يوجد أحد في هذا العالم يفرض علينا قراراً”… فمن منعه إذاً من اتخاذ هذا القرار ما دام انه حر في اتخاذه؟ أفلا يكون مسؤولاً عن تأجيل الانتخابات الرئاسية بسبب الخلاف على قانون الانتخاب فصار التمديد لمجلس النواب مرّة ثانية؟ ولم يتمّ الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وقد مضى على شغور سدّة الرئاسة 18 شهراً ولا أحد يعرف متى ينتهي هذا الشغور، ولا صار اتفاق حتى على حلّ أزمة النفايات التي لا دين لها ولا هوية لأن ثمّة من سيّسها وطيّفها…
الواقع ان من عطّل الانتخابات النيابية هو من أصر على أن يكون القانون الذي تجرى على أساسه هو القانون الذي يكون على قياسه. ومن عطل الانتخابات الرئاسية هو من أصر على انتخاب مرشحه من دون سواه وإلا فلا انتخابات، وها هو في طاولة الحوار يحدّد المواصفات التي تنطبق على مرشحه لتصبح شروطاً، أي أن يكون مع المقاومة واستراتيجيتها وألاّ ينأى بالنفس عن الحرب في سوريا وعن اي حرب تريد المقاومة أن تشارك فيها.
وهكذا يواجه لبنان الخيارات الصعبة منذ عام 2005، فإما تجرى انتخابات نيابية على أساس قانون يضمن فوز الأكثرية لـ”حزب الله” وحلفائه، وإلا فلا انتخابات الى أجل غير معروف، وإما انتخاب رئيس للجمهورية يختاره “حزب الله” وحلفاؤه، وإلا فلا انتخابات وليبق الشغور في سدّة الرئاسة الى ما شاء الحزب… وإما أن يمارس رئيس الجمهورية والحكومة سياسة الحزب واستراتيجيته في المنطقة ويحمي المقاومة ويبقي على سلاحها ما دام الخطر الاسرائيلي قائماً، وإلا واجه المتاعب والقلاقل والأزمات الحادة، وإما أن يوافق على تدخل الحزب في الحروب التي يشاء وإلا كانت حرباً عليه. وهذا معناه إما انتخاب رئيس يواصل إدارة الأزمة التي يتخبط فيها لبنان منذ عام 2005 وتجعله يعيش أمداً طويلاً في وضع شاذ لا يحكمه دستور ولا قانون ولا نظام بل ما يشبه شريعة الغاب، وأعراف يراد ان تكون لها قوّة الدستور، وإما أن يكون رئيس يبدأ معه حلّ الأزمات ليصبح قادراً على إدارة التوازنات بحكمة وحنكة تجنباً للخضات والأزمات، وإلا فعلى لبنان الانتظار الى أن تسمح الظروف بانتخاب هذا الرئيس. وهو انتظار قد يطول خصوصاً إذا ظلّ انتخابه مرتبطاً بحلّ أزمات المنطقة ولاسيما الأزمة في سوريا.