Site icon IMLebanon

كيف يُمكن إدارة إقتصاد ناجح وهناك حزب يمتلك إشعال شرارة الحرب؟

كيف يُمكن إدارة إقتصاد ناجح وهناك حزب يمتلك إشعال شرارة الحرب؟

الإستراتيجية الدفاعية: السيادة الضائعة والمصير الإقتصادي للبنان (2-2)

 

 

كان المبرّر الأول لأركان التسوية الرئاسية في تسويق تنازلاتهم المتنوعة هو التفرّغ للقضايا الإقتصادية والإجتماعية وإنقاذ لبنان من الإنهيار وإصلاح القطاعات التي تستنزف الدولة ووقف الإنهيار مواكبة لمؤتمر «سيدر».. ولهذه الغاية قدّم الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط تنازلات لم تلبث أن أطاحت تفاهم معراب وضربت موقع وصلاحيات رئاسة الحكومة وحاصرت جنبلاط ، وجعلت فريق الرئيس ميشال عون في وضعية الهيمنة والتسلّط ومكّنت «حزب الله» من فرض سطوته على المؤسسات الدستورية، فباتت تدور في فلكه وتركز مهماتها على تغطية مسالكه الإقليمية الوعرة المليئة بالمتفجرات.

 

أين الحريري؟

 

وبالتوازي مع إلغاء المسافة بين «حزب الله» والدولة، كانت خطوط فاصلة أخرى تسقط بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ، وهما أمران يبدو أنهما متلازمان.

 

فلم يعد المتابعون يجدون في كلام الحريري أي إستقلاليةٍ بصفته رئيساً للوزراء، بل بات دائماً يقرن دوره وحضوره بالشراكة مع رئيس الجمهورية، وهذا الأمر إذا كان من باب تأمين الإنسجام لصالح عمل المؤسسات, فهو أمرٌ جيد، لكن أن يصبح القرار في قصر بعبدا وتصبح الحكومة سلطة شكلية، فهذا يصبح ضرباً لتوازن وإستقلال السلطات.

 

وفيما تتحوّل جلسات الحكومة إلى تصريف أعمال، يتوسع ظِلُّ رئيس الجمهورية، فبتنا نرى الرئيس الحريري يتلو بياناً يتضمن «تكليف رئيس الحكومة متابعة تنفيذ الاوراق التي تم تقديمها وبالاخص الورقة التي قدمها فخامة الرئيس والتي تحتوي على العديد من النقاط المركزية وأشكره عليها».

 

القرار في بعبدا

 

وفي ترجمة لهذا الخلل يصرّح وزير الإعلام جمال الجراح في جلسة الحكومة يوم الخميس 5 أيلول 2019 عندما سئل فقال: التعيينات في بعبدا ونقلت قناة mtv  أن «التعيينات لن تـُطرح في جلسة مجلس الوزراء لأنه وفق ما يُقال فإن التعيينات لا تقـرّ إلا في حال إنعقاد الجلسة في قصر بعبدا». هنا تسقط لغة التكامل لتظهر لغة التغالب والهيمنة والسيطرة، وهذا ما لايتحمله لبنان بتركيبته المتداخلة والدقيقة.

 

ولا شك بأن هذه الغلبة في التوازنات تنعكس على القضايا الإستراتيجية أكثر فأكثر, سواء في التوجهات الإقتصادية أو فيما يتعلق بقضية الدفاع عن لبنان وعلاقاتنا بالمجتمع العربي والدولي.

 

منطق التسويف

 

بمنطق التبرير والتسويف، تمضي السلطة لتواجه الإستحقاقات الإقتصادية المستحيلة، فتتجاهل تأثير سلاح «حزب الله» على الإقتصاد المحلي وعلى إدارة الشأن المالي وعلى نظرة الدول المانحة ومؤسسات التصنيف العالمية إلى البلد.

 

لكن الموفد الفرنسي المكلف متابعة مقررات مؤتمر «سيدر» السفير بيار دوكان أخبر الجميع بوضوح أن «الوضع طارىء للغاية» ولا يوجد «أي مؤشر اقتصادي أو مالي غير سيئ»، داعيا السلطات اللبنانية «لوضع هرمية واضحة لمشاريع «سيدر» وتحديد الأولويات».

 

وقال دوكان: «أنهيت عملي بشعور قوي بأن الوضع الملح بات مفهوماً وواضحاً»، رافضاً منطق التسويف من الرئيس عون الذي ذكر مهلة 6 اشهر، لكن دوكان أكد أن الوضع ملح وواضح، والوضع طارىء للغاية».

 

دوكان قال نبّه من وجود «بعض التشكيك لدى الجهات المانحة والذي ارتفع في الاسابيع والاشهر الأخيرة». ورأى أن «هدف الإصلاحات يجب أن لا يكون ارضاء للخارج وانما لخدمة الشعب والمؤسسات اللبنانية وللنهوض باقتصاد لبنان». وأكد أن «اكتشاف النفط ليس الحل السحري الذي سيحل كل الصعوبات التي واجهها لبنان ، وهذا أمل خاطئ وليس الطريق المناسب الى الأمام».

 

دوكان أكد أن «سيدر يجب أن ينطلق على كل الجبهات»، مشيرا الى أنه «ليس هناك اي تاريخ لصرف مستحقات «سيدر» ولكن الجهات المانحة بحاجة إلى الشعور بالثقة لكي تقرر حينها تقديم الأموال للبنان».

 

وختم بالقول: «لم نرَ سرعة فائقة في تطبيق الإصلاحات، كما أن إقرار موازنة 2019 تأخر ويجب احترام المهل الزمنية المحددة والالتزام بها».

 

تصنيفات هابطة

 

وقبل كلام دوكان توالت تقارير مؤسسات التصنيف الدولية لتضيف مزيداً من الأعباء ولتكشف المزيد من الحقائق حول الواقع الإقتصادي. فإحتوى تقرير جديد من «ستاندارد آند بورز» تقديرات عن انخفاض احتياطات لبنان القابلة للاستخدام إلى 19.2 مليار دولار في نهاية السنة الجارية من 25.5 مليار دولار في نهاية 2018. وبينما يجب أن يكون ذلك كافياً لتغطية حاجات الاقتراض الحكومية والعجز في المعاملات الخارجية طوال الأشهر الـ12 المقبلة، فإن ثمة مخاطر واسعة النطاق.. تمثّل الحاجات التمويلية أكثر من 170% من الاحتياطات خلال الفترة الممتدة بين عامي 2019 و2022.. ويضيف التقرير أن أزمة السيولة قد تتفاقم أكثر رغم قوّة الاحتياطات ونعتقد أن هناك مخاطر من استمرار انخفاض تدفقات ودائع العملاء، على الأخص من غير المقيمين، مما سينتج منه تسارع السحب من احتياطات النقد الأجنبي وهو ما سيختبر قدرة البلاد على الحفاظ على ربط العملة بالدولار الأميركي. استمرار تلك الاتجاهات خلال الأشهر الستة المقبلة قد يتسبب في خفض التصنيف إلى مستويات أدنى.

 

هناك إجماع على أن المرادف العملي لإعلان الطوارئ الإقتصادية هو أن البلد دخل نفق الأزمة الحقيقية وأنه بفضل إستشراء الفساد وتجاهل الأسباب الفعلية لشروط مانحي «سيدر» وتجاهل أبعاد العقوبات الأميركية المتصاعدة ضد المؤسسات المالية المتعاملة مع «حزب الله».

 

الغاية من التضييق الدولي والعقوبات الأميركية واضحة: الفصل بين الدولة و»حزب الله» وسلاحه، بينما ما يجري عملياً العكس تماماً، وهذا يعني أن الدول المانحة ستمضي في فرض المزيد من الشروط ولن تتوقف حتى تصل الرسالة بوضوح تام.

 

مقاربة صريحة

 

بعد سماع الموفد الفرنسي وقراءة تصريحات الرؤساء عون وبري والحريري في تبجيل نتائج إجتماع بعبد الإقتصادي لا بد من مصارحة اللبنانيين بجملة حقائق، أهمها أنه في ظل غياب المبادرة والقدرة على إدارة الحكومة والإمتناع عن ممارسة الصلاحيات من قبل الرئيس الحريري، أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون أنه سيقود دفة السفينة ودأب على عقد إجتماعات مالية وإقتصادية ذات طابع «سيادي» بإدارة فريق خاص منفصل عن سياسات الحكومة، وبمعظم أعضائه لا يراعي الإلتزامات الدولية، فضلاً عن أنه يريد السيطرة على كامل مفاصل الدولة بدعوى إنجاح خططه الإقتصادية.

 

هذا الواقع، لا يؤثر فقط على الإقتصاد، بل الأهم والأخطر أنه يؤثر على موقع لبنان الدولي ، ويحوّله تدريجياً إلى محافظة إيرانية تخضع للعقوبات والمقاطعة والحصار، مع التسليم بمنطق «حزب الله» في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي لصالح الجانب الإيراني.

 

جاء إجتماع بعبد الإقتصادي ليترجم السياق غير الدستوري لمثل هذه الإجتماعات ، وليؤكد إلغاء دور الحكومة وإخضاعها لقرارات تأتي من خارجها وإقتصار دور رئيسها على قراءة القرارات وتنفيذها.

 

هذا المشهد يقرؤه الدوليون وهم باتوا خبراء بكل تفاصيل المشهد اللبناني، ولذلك فإنهم يدركون أن السلطة تحاول التذاكي لتمرير الإستحقاقات وأشار دوكان لهذا المنحى تحديداً ، مع الإبقاء على الكثير من بؤر الفساد والإستجابة الإكراهية لبعض متطلبات الإصلاح، لأن الإصلاح الفعلي مستحيل في ظل سلاح «حزب الله».

 

فالحزب مسؤول عن تخريب الدورة الإقتصادية من خلال إدارته خطوط التهريب الخاصة به في المرافئ وفي مطار رفيق الحريري الدولي وعبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، وعبر إلغائه دور الجيش الفعلي في حفظ الحدود، سواء في الجنوب أو مع سوريا.

 

هذه الحقيقة لا يستطيع الرئيس الحريري الحديث عنها خلال تفقده مرفأ بيروت ولا مطارها ، ولا يملك إلا المضيّ في تجاهلها ، ولكن التغاضي عنها لا يعني أنها غير موجودة وغير مؤثرة، وهذا التغاضي من نتائج مسار التسوية والتنازل. فقد سبق لنواب ووزراء في تيار المستقبل أن تحدثوا عن قيام «حزب الله» بالتهريب على المرفأ والمطار ، ولكنهم اليوم صمتوا ودفنوا مواقفهم في مقابر التسوية.

 

تساؤلات بديهية

 

هل يعتقد الرئيسان عون والحريري أن  الولايات المتحدة الأميركية بموفديها والموفد الفرنسي دوكان والسفارات الألمانية والعربية لا يعلمون بهذه الحقائق؟

 

كيف يمكن إدارة إقتصاد ناحج وهناك حزب يمتلك إشعال شرارة حرب إقليمية ، ويهيمن على القرار السياسي بأغلبية نيابية ووزارية ويسيطر على الإقتصاد بالتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية؟

 

هل سترضى الدول المستثمرة ببناء منصات النفط وهناك حزب يملك صواريخ تكفي لإشعال كل آبار النفط في المنطقة..؟

 

قال دوكان إنه ليس هناك تاريخ محدد لبدء صرف أموال مؤتمر «سيدر» وهذه كلمة مفتاحية في فهم المسألة.

 

العقوبات الأميركية سببها الفعلي سياسي مرتبط بسلوك «حزب الله» وتعاظم الشعور بأنه إبتلع الدولة وأسقط الحدود بينه وبينها.. والردّ في الإقتصاد لن يكون مجدياً ما دامت هيمنة الحزب مستمرة..