أعلن الرئيس الأسبق الشيخ أمين الجميل، بعد زيارته العماد ميشال عون قبل يومين، أن انتخاب رئيس جمهورية للبنان لا يزال غير ميسَّر رغم الاتفاق الفعلي وغير المعلن رسمياً بين الرئيس سعد الحريري ونائب زغرتا سليمان فرنجيه، ورغم التأييد المحلي للاتفاق المذكور الذي أبداه الرئيس نبيه بري والزعيم وليد جنبلاط ونواب مسيحيون مستقلون، وأخيراً رغم مباركة المملكة العربية السعودية الاتفاق وعدم اعتراض أميركا الذي فصَّل “الموقف هذا النهار” موقفها أمس. وكان الرئيس الجميل محقاً في اعلانه أعلاه، لكن اللبنانيين الذين أسعدتهم بشرى “الاتفاق الوطني” على مرشّح رئاسي “لم تصل فرحتهم الى قرعتهم” كما يُقال. اذ أن اثنين من الأقوياء الموارنة الأربعة وهما رئيس “حزب القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع وزعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون رفضا الاتفاق. الأول علانية. والثاني بصمته وبرفض متصاعد لرئيس حزبه الوزير جبران باسيل وبتشاور مع حليفه الأول “حزب الله” وبتأكده من استمرار وقوفه معه مرشحاً رسمياً له أو ممراً الزامياً لها. كما أن “حزب الله” الذي يعتبر فرنجيه واحداً منه في حين أن عون حليفه لم يُرتح الى ما يجري، ولم يتجاوب مع دعوات الزعيم الزغرتاوي الى حسم الأمور لمصلحته بالتدخُّل مع عون. فضلاً عن أن الرئيس بري الذي تدور بينه وبين عون “معركة كسر عظم”، والذي اعتبره كثيرون عرّاب التسوية الحريرية – الفرنجيه، أدرك أن “حزب الله” لا يمزح. وهو حريص من زمان على عدم الاصطدام به. فما يجمعهما أكبر وأهم من خلافاتهما. وقد أكد ذلك لـ”الحزب” قبل أشهر بعد بروز اختلاف بينهما أرسل في أعقابه “الحزب” اشارة اليه فالتقطها على الفور وبادر الى ابلاغ أمينه العام السيد حسن نصرالله عبر موفد شخصي أنه معه وسيبقى الى جانبه. علماً أن الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط صار موقفه معروفاً في السنوات الأخيرة وهواجسه رغم عدم تغيُّر اقتناعاته التي تكوّنت قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبعده. وموقفه يشير الى قلق على الطائفة الدرزية التي تواليه بغالبية كبيرة جداً وعلى زعامته وشخصه وعائلته. كما يشير الى جهوزيته الدائمة لالتقاط أي فرصة تسوية تلوح وملاقاتها في منتصف الطريق اقتناعاً منه بأن مصلحة البلاد ومصالحه تقتضي ذلك.
هل تبقى التسوية الرئاسية غير ميسّرة وتسير تالياً نحو الاجهاض، أم يعود زخمها بعد الأعياد والاتصالات الداخلية والاقليمية والدولية؟ الجواب الجدِّي عن ذلك هو أن أحداً لا يعرف، وأن التكهن صعب، رغم أن جهات وازنة محلية ذات امتداد اقليمي تميل الى الاعتقاد أن لبنان عاد الى ما كان عليه قبل تسوية الحريري – فرنجيه. طبعاً هناك تفاصيل كثيرة ومتشعِّبة لهذه التسوية وأطراف لا بد من اطلاع اللبنانيين عليها وعليهم كي يعرفوا أين هم الآن وعلى أي أرض يقفون.
في البداية لن نتناول الدور الأميركي بالتفصيل لأن “الموقف” تحدّث عنه أمس. لكن يمكن اضافة أمور عدّة منها أن دعوة قدِّمت لفرنجيه لزيارة أميركا ولم يلبِّها بعد استشارات معمّقة مع الحلفاء. ومنها أن دعوة أخرى لزيارة نيويورك والاجتماع فيها الى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان وتيري رود لارسن مُتابع تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1559، ولم يلبِّها أيضاً بعد استشارة الحلفاء. لكن سنتناول دور السعودية وطريقة تغيُّر موقفها الرئاسي من رافض لمرشَّح من 8 آذار الى قابل بمرشح آخر منه.
تفيد المعلومات هنا أن صداقة قوية وطويلة ربطت الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم كان في واشنطن طالباً. كما كانت علاقة الأخير بالشهيد الحريري ممتازة. طرح الحريري الابن على الجبير أخيراً فكرة تدخُّله لاقناع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالتسوية التي يعدّ لها لايصال فرنجيه الى الرئاسة في لبنان، وتالياً لاقدامه على اقناع والده الملك بذلك فتتأمَّن التغطية السعودية لها. نجح الجبير مع ولي ولي العهد لكن فريقاً آخر في الحكم لم يستسغ الموضوع كله. فحصل اتصال بين مدير المخابرات السعودية وجعجع بعد شيوع التسوية – المبادرة في لبنان أكد فيه الأول أن المملكة لا تغطيها. واتصل جعجع بدوره بعون مبلِّغاً اياه ذلك. لكن بعد مدة غير طويلة اتصل المسؤول السعودي نفسه بجعجع مؤكداً أن المملكة تغطّيها.
لماذا اندفع الحريري في التسوية؟ وما هي حقيقة موقف “حزب الله” والرئيس بشار الأسد والأطراف الآخرين؟