Site icon IMLebanon

كيف يمكن المواءمة بين تناقضات التحالفات العونية؟

جبرها جبران باسيل من ناحية وكسرها من ناحية أخرى. رحّب الرئيس نبيه بري بموقفه «مئة بالمئة»، لكن «الحلفاء الجدد» بدوا مصدومين بما قاله.

أعاد باسيل، بعد اجتماع «تكتل التغيير»، أمس الأول، إعلاء تحالفه مع «حزب الله» إلى مرتبة «أولى الثوابت»، جازماً بأن «تخريب العلاقة المسيحية ـ الشيعية لن يحصل لا نقابياً ولا نيابياً ولا حكومياً».

خطاب كهذا لا يفترض أن يستفز «الحلفاء الجدد». سبق أن قال باسيل نفسه أكثر منه، فما سبب «نقزة» هؤلاء؟ حديث باسيل عن فصل مسار تشكيل الحكومة عن مسار قانون الانتخاب «لم يكن مريحاً»، انطلاقاً من أن تشكيل الحكومة يفترض أن يكون المقدمة الفعلية لبدء النقاش في قانون الانتخاب.

أما حديث رئيس «التيار الحر» عن النسبية، فبدا كأنه أعاد إحياء خلافات الماضي. وإذا صح ما يتم تداوله، سراً وعلناً، عن أن «التيار الوطني الحر» تعهد لـ«المستقبل» بالسير بـ«قانون الستين»، فإن تأكيده «رفض قانون الستين والتمديد تحت أي ظرف»، مقابل «نعم لقانون نسبي نأمل أن يكون الأرثوذكسي»، قد خلط الأوراق مجدداً، وإن أشار إلى أنه يمكن البحث بـ«قانون آخر يعتمد معيارا واحدا موضوعيا علميا هو عدالة التمثيل».

ما حصل قد يتكرر كل يوم. وهو ناتج عن حلقة مفقودة بين سلسلة حلقات متداخلة في العلاقات السياسية المستجدة. التفاهمات التي أجراها «التيار الوطني الحر»، يمينا وشمالا، في معرض سعيه إلى وصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، لم تكن بسيطة ولا سهلة. لقد قطع مسافة كبيرة من موقعه السياسي باتجاه ملاقاة سمير جعجع ثم سعد الحريري في منتصف الطريق.. وقد نجح في إنجاز ما بدا في يوم من الأيام مستحيلاً. لكن وفق منطق خذ وهات، يبدو بديهياً وطبيعياً أن يكون كما أخذ قد أعطى، إلا أن المشكلة الوحيدة في هذه المعادلة تكمن في أن القدرة على العطاء تنحصر في ما يملكه. أول ما أراده الحريري، بطبيعة الحال، كان رئاسة الحكومة. هل كان بإمكان «التيار» أن يضمن للحريري عودته إلى المقعد الرئاسي الثالث، لو لم يحصل على كلمة «حزب الله»؟ وهل في الأساس كان الحريري ليقبل بتعهد عوني غير مقترن بتوقيع «حزب الله»؟

ذلك بدا عنوان التفاهم، إلا أن ما دونه الكثير من التفاصيل، التي تبين لاحقاً أنها لم تكن معلومة ولا واضحة. التفاهم مع «القوات» سابق على التفاهم مع الحريري. وبالرغم من أن النقاط العشر معلنة، إلا أن تمسّك «التيار» بحصة وازنة لـ «القوات» في الحكومة، وتعامل الأخيرة مع العهد من موقع الشراكة الاستراتيجية، أوحى للجميع أن التفاهم يتخطى نقاط ورقة التفاهم، وصولاً إلى اتفاق ضمني يقضي باختزال كل التمثيل المسيحي بهما، ولو أن باسيل أوحى بعكس ذلك في اجتماع التكتل الأخير.

والاتفاقات الضمنية تنسحب أيضاً على قانون الانتخاب. عند بعض فريق «8 آذار»، ثمة ثقة تامة بأن العونيين ملتزمون مع حلفائهم الجدد بـ«قانون الستين». حتى أن بعضهم يضع تأخير تشكيل الحكومة في خانة حشر المهل، وفرض أمر واقع عنوانه: لم يعد الوقت المتبقي للانتخابات يسمح بإقرار قانون جديد للانتخابات.

التزام العونيين بحصة «القوات» وتّر علاقتهم بحلفائهم، الذين وضعوا «فيتو» على إسناد أي حقيبة سيادية لحليف حليفهم. والتزام العونيين بالنسبية، أراح حلفاءهم، لكنه وتّر حلفاءهم الجدد. لـ«المستقبل» حساسية عالية تجاه النسبية. هو يعتبر ان أي شكل من أشكالها، إذا التزم بالمعيار الواحد، يمكن ان يؤدي إلى انتكاسة له في الانتخابات النيابية، فيما تعتبر «8 آذار» أن النسبية هي أولوية الأولويات. سياق يؤشر إلى خلل عميق يواجه خلطة التحالفات العونية. مع كل ملف سيجد العونيون أنفسهم في الوسط بين التزامين. يعطون الأولوية لهذا التحالف حيناً ولذاك التحالف حيناً آخر. يكسرون يد الجرة هنا ويجبرونها هناك. «ليس عيباً الدخول في تفاهمات سياسية»، إلا ان المشكلة في الدخول في تفاهمات متناقضة. والتناقض هنا لا يتعلق بالقضايا الاستراتيجية فقط إنما يتعداه في طبيعة النظرة إلى الدولة.