يبدو أن السلطات في بعض الدول الغربية استخدمت الإطار القانوني للتغطية على الاعتبارات السياسية لإدراج حزب الله، إلى جانب تنظيمات «القاعدة» و«داعش»، على لائحة الإرهاب. حصل ذلك خلال المرحلة التي تبعت هجمات 11 أيلول 2001 والتي شهدت ردود فعل أدت إلى تراجع قدرة دول الغرب على حماية مصالحها وأمنها.
يمكن تفهّم الضغط الإسرائيلي على الحكومات الغربية لحضها على معاداة حزب الله وتجريمه بسبب الخطر الذي أثبت الحزب أنه يشكّله على الكيان الصهيوني. لكن تلك الدول، ربما، تتجاهل عدم تلازم مبادرات حماية إسرائيل مع الحفاظ على مصالحها الحيوية.
وقد يكون مستحيلاً إزالة حزب الله عن لائحة المنظمات الإرهابية في الدول الغربية، خصوصاً تلك المتحالفة جذرياً مع إسرائيل، مثل الولايات المتحدة وكندا. لكنّ هناك سبلاً للطعن قضائياً في تجريم الحزب، يمكن أن تعرّي قرار إدراجه على لائحة الإرهاب من أي صفة قانونية. ويمكن كذلك أن تدل تلك السبل، بوضوح وشفافية، على أنّ تجريم الحزب يعود حصرياً لاعتبارات سياسية معادية للبنان بسبب تحرره من الاحتلال الإسرائيلي بفضل الكفاح المسلح.
قبل عرض تسلسل الإجراءات القانونية التي يمكن السير فيها لإزالة حزب الله عن لائحة الإرهاب في كندا، لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات:
أولاً، إن الحزب هو الوحيد، بين التنظيمات الـ 223 الواردة على اللائحة الكندية للمنظمات الإرهابية، الذي يشارك أعضاء منه فعلياً في حكومة ومجلس نواب، وهو حليف رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب في بلد هو عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة؛
ثانياً، إن الخدمات الاجتماعية والتربوية والطبية والإنمائية والأمنية التي يقدمها حزب الله في لبنان لا يقتصر المستفيدون منها على أنصاره أو على الشيعة أو حتى على اللبنانيين، بل تشمل الجميع، وتؤدي إلى حال من الاستقرار الأمني في البلاد، وإلى حماية الجميع من خطر إرهاب «داعش» و«القاعدة» وإسرائيل ومن معهم؛
ثالثاً، لا بد من التذكير بأنّ كل القوى السياسية اللبنانية ترفض تجنيس مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بغضّ النظر عن الأسباب الخاصة لكل منها. وحلّ هذه القضية يتطلب عودتهم إلى ديارهم. وقد تبين بعد فشل اتفاق أوسلو وإنجاز التحرير عام 2000 أن السبيل الوحيد لذلك هو الكفاح المسلح، أو فلتجنسهم دول الغرب؛
رابعاً، بينما صدرت عن مجلس الأمن الدولي قرارات تدين تنظيمي «القاعدة» (بما فيه «جبهة النصرة») و«داعش» وغيرها وتصنفها تنظيمات إرهابية، لا يوجد إجماع أممي على وضع حزب الله في الخانة نفسها.
صنفت الحكومة الكندية حزب الله تنظيماً إرهابياً يوم 10 كانون الأول 2002. أما القوائم الكندية للأفراد المصنفين إرهابيين اليوم، فتضم عشرة أسماء تعود للبنانيين، اثنان منهم فقط تدعي السلطات الكندية أنهما عضوان في حزب الله، بينما تدّعي أن الثمانية الآخرين تابعون لتنظيم «القاعدة» في ليبيا ويحملون جوازات سفر صادرة عن السلطات الليبية. واللافت أن عضوي حزب الله المزعومَين هما على لائحة الإرهاب الأميركية منذ ثمانينيات القرن الفائت. ولم تدرج السلطات الكندية قياديين في حزب الله أو أياً من المقاومين الذين كان المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان قد اتهمهم غيابياً باغتيال الرئيس رفيق الحريري، على قائمة الإرهابيين.
على أي حال، المرجعية التي استندت إليها السلطات الكندية لتصنيف الحزب إرهابياً هي «تقارير صادرة عن مجلس الأمن الدولي». تلك التقارير التي صدرت خلال العام الذي تلا تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي تشدد على وجوب انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وتؤكد ضرورة التوصل إلى حل وفقاً للقرارين 242 (1967) و338 (1973). ولم يرد أي قرار جامع عن مجلس الأمن الدولي يصنف الحزب إرهابياً.
تذكر السلطات الكندية عبر موقعها الإلكتروني الرسمي https://www.publicsafety.gc.ca/cnt/ntnl-scrt/cntr-trrrsm/lstd-ntts/crrnt… أن أهداف حزب الله هي «تحرير القدس وتدمير إسرائيل، وتأسيس جمهورية شيعية إسلامية في لبنان». إن القانون الكندي لا يجرّم حركات مقاومة الاحتلال، والقدس مدينة محتلة بحسب منظمة الأمم المتحدة التي كانت قد وضعتها تحت الوصاية الدولية. أما موضوع «الجمهورية الشيعية في لبنان» فيدل على جهل أو تجاهل لأهداف الحزب وتوجهاته الحقيقية.
تدعي السلطات الكندية أن حزب الله «نفذ أشهر الهجمات الإرهابية في الحرب الأهلية اللبنانية مثل التفجيرات الانتحارية لثكنات قوات البحرية الأميركية والمظليين الفرنسيين وخطف طائرة تي دابليو آي الأميركية». ولا توجد إثباتات تدل على ضلوع حزب الله في هذه التفجيرات أو في خطف الطائرة. لكن اللافت في الأمر ربط هجمات استهدفت جنوداً أجانب في لبنان بالحرب الأهلية.
تضيف السلطات الكندية أن «الميليشيات اللبنانية الأخرى سلمت سلاحها بعد انتهاء الحرب عام 1990، لكن حزب الله استمر بالقتال عبر شنه حرب عصابات على القوات الإسرائيلية المتمركزة في جنوب لبنان». إن وصف احتلال جنوب لبنان بـ«تمركز القوات الإسرائيلية» مخالف لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 (1978) الذي دعا إسرائيل «إلى التوقف فوراً عن عملياتها العسكرية ضد سلامة لبنان الإقليمية، وسحب جميع قواتها من الأراضي اللبنانية».
القانون الكندي (المادة 83.05 الفقرة الأولى) يتيح لوزير الأمن العام والحماية المدنية الكندي وضع قائمة بـ«الكيانات التي توجد أسباب منطقية لاقتناعه بأنها قامت بنشاط إرهابي أو شاركت فيه أو حضّرت له أو تعاونت مع مجموعة إرهابية أو خضعت لتوجيهاتها». لكن بموجب الفقرتين الثانية والخامسة من هذا القانون، يمكن أن يتقدم أي من الكيانات الواردة أسماؤها في القائمة بمراجعة إجرائية وقانونية لقرار الوزير. وينص القانون على هيئة قضائية تنظر في المراجعة من خلال تقويم الحجج والقرائن التي استند إليها لإدراج المنظمة على لائحة الإرهاب. ويمكن حزب الله في هذه الحالة تكليف محامٍ في كندا ليتقدم بطلب المراجعة ويعرض أمام القاضي العناصر التي تدحض الحجج المذكورة لتجريمه.
إذا قرر الحزب السير بهذا المسار، فهذا لا يعني أنه يثق بالمؤسسات القضائية الكندية. بل إن لجوءه إلى القضاء هو إشارة أمام الرأي العام ووسائل الإعلام والتواصل، تضاف إلى العديد من الإشارات السابقة التي تدل على أنه يسعى دائماً إلى تحقيق العدل والإنصاف، ولو في عقر دار من يعاديه.