يقول الرئيس باراك أوباما إنه لا يريد تحويل الصراع السوري إلى حرب بالوكالة. لكن ذلك يحدث بالفعل للأسف٬ حيث ينضم المقاتلون إلى المعركة ضد «داعش» انطلاًقا من أجندات مختلفة جذرًيا قابلة للتصادم.
دعونا نلق نظرة على المشهد المحير للمعركة: الولايات المتحدة قررت أن شريكها الأقوى في مواجهة «داعش» هو قوة كردية سورية معروفة اختصاًرا بـ«واي بي جي». لكن تركيا٬ حليفتنا الاسمية في الناتو٬ تقول إن «واي بي جي» على صلة بما تزعم أنها جماعة كردية إرهابية. كيف السبيل لفض هذا الاشتباك؟ لا إجابات بعد.
في غضون ذلك٬ تدفع روسيا بأنها تقاتل «داعش»٬ إلى جانب القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد. لكن الطائرات الحربية الروسية تقصف الثوار المدعومين سًرا من قبل الولايات المتحدة وتركيا والأردن٬ وتلك الكتائب تبدي مقاومة شديدة في القتال. وينشر الثوار مقاطع فيديو يتباهون فيها بنجاحهم في استخدام الصواريخ الأميركية المضادة للدبابات. وتبدو المعركة على نحو مثير للفزع أشبه بالحرب الروسية في أفغانستان٬ في مرحلة التشكل. إلى أين يتجه ذلك؟ لا إجابة أيًضا عن ذلك السؤال.
وهكذا إذا ألقيت نظرة شاملة على خريطة سوريا المحطمة سترى تحالفات وشراكات متناقضة. وفي ظل اجتماع هذه القوى العسكرية المتعددة في نفس المنطقة٬ يصبح خطر وقوع الحوادث والحسابات الخاطئة كبيًرا.
لكن لماذا تتصاعد وتيرة الحرب بالوكالة في وقت تعقد فيه القوى الخارجية محادثات من أجل حل الصراع؟ لقد أرسلت كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والسعودية مندوبين إلى فيينا الأسبوع الماضي لاستطلاع آفاق الانتقال السياسي الذي يزعمون جميًعا أنهم يفضلونه. الاجتماع لم يكن مشجًعا٬ حيث لم يحضر أي من الجماعات السورية المتقاتلة٬ وثارت خلافات بين القوى الخارجية حول شكل وطبيعة هذه المرحلة الانتقالية.
«قاتل وفاوض» هي دورة متكررة في الصراع بالشرق الأوسط. لذا ربما يكون التصعيد العسكري الأخير مقدمة لمفاوضات دبلوماسية٬ فيما يحاول كل طرف أن يوسع منطقة سيطرته ويعزز موقفه التفاوضي قبل بدء المحادثات الجادة. لا بد أننا محظوظون للغاية. لكن الأسد والثوار ليسوا مستعدين الآن للتوصل إلى حل وسط أكثر من أي وقت مضى.
وبدراسة سوريا من شمالها إلى جنوبها٬ تتضح المواقع التي تحتاج إلى «فك اشتباك»٬ على حد وصف العسكريين٬ لتفادي كارثة غير مقصودة.
على الجبهة الشمالية٬ تحتاج الولايات المتحدة إلى تعميق مشاوراتها مع تركيا فيما تعزز دعمها للقوى الكردية السورية وحلفائها من العرب. الرئيس أوباما أرسل أقل من 50 عنصًرا من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا٬ لكن لا تقلل من شأن الخطوة٬ إنه التزام كبير. فالقوات الأميركية سوف تحتاج إلى دعم جوي٬ ليس فقط لقصف «داعش»٬ ولكن لإعادة تزويدها بالمؤن٬ وتنفيذ مهام الإنقاذ في حال تعرض أفرادها لمشاكل٬ وربما لتفعيل دورة «المداهمات الليلية» القائمة على معلومات
استخباراتية مسبقة٬ والتي كان لها أثر مدمر في العراق.
لكن ما رأي تركيا في هذا الدور الأميركي المتنامي على حدودها٬ لا سيما بعد النصر الانتخابي الذي أحرزه الرئيس رجب طيب إردوغان الذي لديه فوبيا من الأكراد؟ يقول مسؤولو البنتاغون إنه ينبغي طمأنة الأتراك٬ لأن الولايات المتحدة سيتاح لها الآن إشراف أوسع على 25 ألف مقاتل ينضوون تحت لواء «واي بي
جي»٬ ويمكنها منع وصول المؤن إلى حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية. ورغم أن هذه الحجج تبدو منطقية٬ فإنها تحتاج إلى موافقة أنقرة.
وعلى الحدود الجنوبية السورية مع الأردن٬ ساعدت الولايات المتحدة في تدريب تحالف من الثوار يعرف باسم الجبهة الجنوبية يضم 35 ألف مقاتل موزعين على 54 فصيلاً عسكرًيا. وهاجمت الطائرات الحربية الروسية الأسبوع الماضي بعض القوات المدعومة من الولايات المتحدة في بلدة الحارة جنوب غربي سوريا٬ وهي موقع مركز روسي سابق لاستخبارات الإشارة وقع في يد الثوار. هذا عمل جنوني. لا بد أن تنظر موسكو وواشنطن في سبل وقف تصعيد الموقف٬ بدلاً من المساهمة في إزكاء نيرانه.
لكن في ضوء المنطق المستعصي على التغيير٬ فإن الأسوأ قادم. لقد أبلغني الرائد عصام الريس الناطق باسم «الجبهة الجنوبية»٬ في مقابلة أجريتها معه عبر الهاتف يوم الثلاثاء٬ بأن قواته تتوقع هجوًما سورًيا جديًدا٬ بدعم روسي٬ لاسترداد الأرض جنوب دمشق. هذا السعي وراء «النصر» لا يخدم إلا المتطرفين.
لكن ما الذي تخفيه الأكمة إذا فشلت القوى الخارجية في إيجاد سبيل لوقف تصاعد الموقف؟ إليكم لمحة حزينة على ذلك: تلقيت زيارات على مدار الأسابيع الأخيرة من قادة حركات كردية سياسية في إيران وسوريا ينتظرون اليوم الذي تذيب فيه كردستان الكبرى حدود تلك البلدان.
وإذا لم تساعد روسيا وإيران وتركيا والمقاتلون الآخرون بالوكالة في إبطال هذه القنبلة٬ فإن انفجارا أشد تدميًرا ينتظر عموم المنطقة.
* خدمة «واشنطن بوست