IMLebanon

كيف ينظر المسيحيون والمسلمون إلى هواجس بعضهم؟

الطائفية تطفو مجدداً على سطح الخطاب الوطني

كيف ينظر المسيحيون والمسلمون إلى هواجس بعضهم؟

حين كانت بعض النخب من كل الطوائف اللبنانية تتحدث عن وجوب المصارحة بين اللبنانيين تمهيدا للمصالحة التي تطوي الصفحات الاليمة، كانت الطبقة السياسية، ومعظمها شريكة في الحروب الاهلية، تتغنى باعتذار شفوي من هنا ومصالحة شكلية من هناك.

لم يتوافق اللبنانيون على قراءة، ولو متقاربة، لاسباب الحرب ودوافعها ومسؤولية كل منهم في تأجيجها والمشاركة فيها. لم يترسخ في الوجدان الجماعي لاي طائفة في لبنان اي احساس بالشراكة في المسؤولية عن موت آلاف الاشخاص وتدمير البلد وخرابه. «الآخر» هو المخطئ و«المسامح كريم». لكن في الواقع، وبحسب كثير من الوقائع، لم ينسَ اللبنانيون ولم يسامحوا. أُقفلت صفحات الاقتتال والتخوين وفتحت صفحات جديدة من التحالفات على زغل المصالح الآنية. عادت تعابير العيش المشترك والاخوة والمصير الواحد والمركب الوطني لتزدهر من جديد. أوقف الجميع نظريا العدّ الطائفي. وغرق اللبنانيون في حب بعضهم بعضا.

بدا لمراقب المشهد السياسي اللبناني بسطحية، أن الانقسام انتقل من الطائفي الى الوطني، على اعتبار أن كل فريق من المسلمين متحالف مع فريق آخر من المسيحيين. تم التعاطي مع الانقسام المذهبي السني ـ الشيعي وكأنه قدر يتخطى قدرة اللبنانيين على ردعه، في انتظار أن تزهر الآمال المعقودة على تقارب ايراني ـ سعودي يوما.

لذا حين طفا على السطح مجددا الخطاب الطائفي الاسلامي ـ المسيحي على خلفية «جلسة الضرورة» لمجلس النواب، بدا بعض المراقبين متفاجئين من حدته ومن سرعة تخلي كل الاطراف عن «خطابهم الوطني» مع ما يعكسه من تهديد تحالفاتهم، والعودة الى لغة قديمة جديدة.

لكن المفاجأة في التفاجؤ نفسه. فهل حقا صدّق بعضهم أن اللبنانيين غادروا مربع انقسامهم الطائفي الاول ليعودوا اليه؟ هل من عالم بالحد الادنى بعقليات الطوائف وهواجسها وادبياتها وأحلامها، معززا بممارسات أحزابها وخطاب رجال الدين فيها، يمكنه أن يكون مخدوعا بهشاشة قناعها الوطني؟ فالمسلمون، يُنظر اليهم بعيون الهواجس المسيحية، «أصحاب رغبة تاريخية بالارجحية. الاولوية عند السنة هي للمصالح والقضايا والعلاقات العربية حتى لو أتت على حساب لبنان. وما شعار لبنان اولا، الا نتيجة ظرف وضرورة، لم تصل الى قناعة راسخة. أما عند الشيعة، فالاولوية اليوم هي للمصالح الايرانية التي ايقظت فيهم حلم الارجحية والقوة والثأر لحرمان وتهميش تاريخي مضى».

أما المسيحيون فيُنظر اليهم بعيون المسلمين «أقلية تطمح لحكم الاكثرية وفق ما ترتئي أو تدق ناقوس الخطر والهواجس والاستهداف. يطالبون بالشراكة الكاملة وفق اسلوب اقرب الى مفهوم المارونية السياسية. يدّعون أنهم أم الصبي الذين يريدون له تربية غربية متحضرة، في حين يحجمون عن أمه بديهية حق اعطائه جنسيتها… وقس على ذلك».

لذا، بغض النظر عما ستنتهي اليه مسرحية الالهاء الجديدة المتمثلة بتشريع الضرورة، فإن ما يتكشف كل يوم من واقع الاهتراء في البلد، دولة وشعبا ومؤسسات، يدعو الى حالة طوارئ. فاذا كان عقد جلسة لمجلس النواب هزّ التضامن الوطني وعرّض العيش المشترك للخطر، ما القول عند الخوض في مضامين الجلسات والكلام والمواقف الطائفية التي رشحت، ومرجح ان تستمر، عند مناقشة مواضيع اعطاء الجنسية وقانون الانتخاب وغيرها؟

قد يكون الشعار الادق في توصيف هذه المرحلة: «كلن يعني كلن» . فالجميع مسؤول، وان اختلفت النسب. جميع الطوائف والاحزاب تتناوب على الابتزاز والاستنسابية والاستقواء والكيل بمكيالين. وجميعها مستعدة للانقضاض على بعضها بعضا متى أتيحت لها الفرصة. يعطي المسلمون في كل مرة تأكيدات على ذلك لا تقبل اللبس والاجتهاد. أما المسيحيون، المقيمون في اوهام الماضي ومخاوف الحاضر، فتخلوا عن صورة سوّقوها عن أنفسهم ودورهم في الريادة ومجاراة الحداثة في الافكار والطروحات والمبادرات، وعادوا الى اسوأ ما اختبروه في تحليل الاصول والنقاء الوطني.

ونحن من كنا نظن اننا انتهينا من تحاليل الدم وتحليله.