النأي بالنفس ليس «ورقة طرنيب» ترمى أينما كان!
كيف يفنّد «التيار الأزرق» البنود العشرة لـ«تفاهم معراب»؟
لم يُفاجأ «تيار المستقبل» بترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع غريمه التاريخي العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فالأمر بالنسبة إليه كان متوقعاً بسبب التقارب الكبير بين الطرفين منذ أكثر من سنة. وإذا كانت البرودة هي التي تحكم العلاقات الحاليّة بين «المستقبل» و «القوات»، فإنها محصورة بين جعجع والحريري فحسب من دون بقية المسؤولين الرئيسيين الذين يتواصلون بشكل دوري من دون التوصّل الى نقطة تفاهم مشتركة بعد في الشأن الرئاسي.
ويبدو «التيار الأزرق» متشائما في شأن الجلسة البرلمانية المخصصة لانتخاب رئيس في 8 شباط الجاري، ولا يرى موعدا واضحا للانتخابات بعد لأسباب متشابكة بينها الإقليمي وبينها التعقيدات الداخلية.
ويحمّل «تيار المستقبل» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع جزءا من المسؤولية في الفراغ الرئاسي المستشري منذ أيار 2014، لذا هو لا يقرأ قرار تحوّله في اتجاه ترشيح العماد ميشال عون بشكل إيجابيّ، لأن جعجع، بحسب أوساط بارزة في «التيار الأزرق» تحدّثت الى «السفير»، عكف على مدى عامين اثنين على رفض أي طرح «مستقبلي» بوصول رئيس جمهورية وسطي، وهذه نقطة الخلاف الجوهرية بين الطرفين اليوم.
أمّا ما يثير حفيظة «التيار الأزرق» فهو تصوير إعلام «القوات اللبنانية» بأنّ العماد ميشال عون صار على مقربة من مبادئ قوى «14 آذار»، وبأن ترشيحه أحرج «حزب الله».
برأي «تيار المستقبل» أنّ نظريّة «حشر حزب الله»، التي يرفعها جعجع، خاطئة تماما، ولا يقتنع «التيار الأزرق» بمقولة جعجع أنّ العماد عون قد تقدّم خطوات نحو مبادئ قوى «14 آذار».
ولهذه الغاية يفنّد «تيار المستقبل» النقاط العشر التي شكّلت «تفاهم معراب»، الذي توّج في لقاء المصالحة بين عون وجعجع في 18 الشهر الفائت، بشكل يؤكد أن عون «لا يزال في موقعه الإستراتيجي والسياسي الى جانب حزب الله، وهو لم يتقدّم قيد أنملة صوب فريق 14 آذار».
عون «صامد» في «8 آذار»
إحدى نقاط «تفاهم معراب» التي تنصّ على «تأكيد الإيمان بلبنان وطنا نهائيا سيّدا حرّا، وبالعيش المشترك وبالمبادئ التأسيسية الواردة في مقدّمة الدّستور»، تدفع القياديين في «التيار الأزرق» الى القول بأنّ هذه المبادئ موجودة في الدستور اللبناني وقد وافقت عليها المكوّنات اللبنانيّة جمعاء ومنها «حزب الله».
بالنسبة الى البند المتعلق بـ «احترام قرارات الشرعية الدولية كافّة والالتزام بمواثيق الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربية»، يتساءل المصدر في «تيار المستقبل»: «نحن نريد تنفيذ هذه القرارات الدولية وليس احترامها! ومن القرارات الأساسية تلك المتعلقة بالمحكمة الدّولية».
بالنسبة الى «ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقرّا أو منطلقا لتهريب السّلاح والمسلّحين»، يطرح «تيار المستقبل» سؤالا جوهريا: هل يذهب مقاتلو «حزب الله» الى سوريا كركّاب عاديين أم كمسلحين؟ ألا يأخذون مؤونتهم من السلاح من سوريا وهي ممرّ السلاح الإلزامي لـ «حزب الله» وليس العكس؟
بالنسبة الى البند القائل بـ «ضرورة التزام سياسة خارجيّة مستقلّة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدّولي، وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدّول لا سيّما العربيّة منها، مما يحصّن الوضع الدّاخلي اللبناني سياسيّا وآنيّا ويساعد على استقرار الأوضاع وكذلك اعتبار إسرائيل دولة عدوّة والتمسّك بحق الفلسطينيين بالعودة الى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حلّ الدولتين ومبادرة بيروت 2002» ، تسأل أوساط «تيار المستقبل»: كيف يمكن الحديث عن سياسة خارجية مستقلة ولا يزال موقف لبنان ووزارة خارجيته ماثلا أمام اللبنانيين في الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة وفي اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في جدّة، بحيث نأى بنفسه عن الإجماع العربي في المواجهة مع إيران؟
تضيف الأوساط البارزة: حين يحصل إجماع عربي لا يمكن للبنان أن ينأى بنفسه، وسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومات الفائتة ارتبطت بمواضيع معينة لا علاقة لها بالاشتباك القائم حاليا بين الدول الخليجية وإيران، وليس النأي بالنفس «ورقة طرنيب» ترمى أينما كان وتصلح لأي موضوع!
أما في موضوع العمل على «تنفيذ القرارات التي تمّ التوافق عليها على طاولة الحوار الوطني»، فبرأي «تيار المستقبل» أنها نقطة وردت أيضا في «ورقة التفاهم» بين «التيار الوطني الحرّ» و «حزب الله» عام 2006. وتنبّه الأوساط «المستقبلية»: «لا يبيعونا من كيسنا». والسؤال ماذا عن إنهاء حالة السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات؟ وماذا عن ترسيم الحدود؟
أما بالنسبة الى «ضرورة إقرار قانون للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحّة التمثيل بما يحفظ قواعد العيش المشترك ويشكل المدخل الأساسي لإعادة التوازن الى مؤسسات الدولة»، تشير الأوساط الى أن لا خلاف عليه من قبل أحد، وهو من البنود التي وردت في «اتفاق الدوحة» عام 2008 وحظي بموافقة جميع الأطراف اللبنانيين. فـ «حزب الله» يوافق على هذه البنود كلّها، وبالتالي فإن العماد عون لا يكون خرج عن مبادئ «8 آذار» ولم يخط أية خطوة نحو فريق «14 آذار» كما يحاول رئيس حزب «القوات اللبنانية» التصوير.