لم تكن تداعيات زيارة الوزير جبران باسيل الى بشري، سوى مؤشر إضافي الى مستوى الاحتقان السياسي و»الجماهيري» بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية». بالتأكيد، لا يمكن اختصار ما حصل بالخلاف حول آلية تعليق اليافطات، او طبيعة الموكب الزائر، بل هو يتّصل بمجمل العلاقة المعقّدة بين «القوات» وباسيل.
لعلّ المفارقة، التي لا تنقُصها الدلالات، أن زيارة ممثل «حزب الله» الوزير جميل جبق الى «العاصمة» الرمزية لـ«القوات» قبل فترة، تمّت على سبيل المثال بترحيب من معراب، على رغم من الخصومة الاستراتيجية بين الجانبين، في حين أنّ حضور «الشريك المُفترض» في المصالحة المسيحية كان بالنسبة الى «القواتيين» ثقيلَ الوطأة.
تَعمّدت قيادة «التيار الحر» أن تتعامل مع ردّ فعل «القوات» بمقادير مدروسة. لم تُصدر بياناً، تعليقاً على بياني النائب ستريدا جعجع، ولم تعلِّق رسمياً على تمزيق يافطات الترحيب بباسيل.
ويقول مصدر في «التيار»: «ما حدا قرّب صوبها للسيدة ستريدا. لقد كانت تخاطب نفسها، وتردّ على نفسها عبر البيانين الصادرَين عنها، وهذا شأنها».
اما استغراب «القوات» لدخول باسيل الى بشري عبر موكب مسلح وضخم، فإنّ المصدر البرتقالي يعتبره غير مبرر بتاتاً، «لأنه لا يستند الى أساس صلب او سبب مقنع»، لافتاً الى أنّ الموكب المشكو منه ليس مختلفاً عن ذاك، الذي يجول باسيل بواسطته على كل المناطق اللبنانية، «ومن لا يصدّق، ما عليه سوى أن يعود الى الارشيف للتثبُّت من ذلك، ثمّ أنّه لم يكن لدى رئيس «التيار» أساساً، أيّ شعور بأنّه يزور منطقة غريبة، حتى يحتمي بعراضة مسلّحة للدخول اليها.»
ويلفت «التيار» الى أنّ هناك نوعين من «أواصر القربى»، التي تجمع باسيل بمنطقة بشري، الاول عائلي ويعود الى كون والدته من بلدة حدث الجبة، وبالتالي يمكن القول إن نصفه بشراني، ونصفه الآخر بتروني. أما «صلة الوصل» الثانية فهي سياسية، «إذ إن باسيل، ولو كان يمثل البترون أساساً، لكنه في نهاية المطاف نائب عن مجمل دائرة البترون- زغرتا- الكورة – بشري، وهو يترأس تكتلاً يضم نائبين آخرين عن المنطقة هما ميشال معوض وجورج عطاالله، ما يُحتم عليه زيارة المناطق الواقعة في هذه الدائرة، إضافة الى انه يقود تياراً عريضاً يمتد من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال، ومن غير المقبول أن تكون هناك منطقة مقفلة عليه».
ويستهجن «التيار» كيف أنّ «القوات انشغلت بالشكّليات والقشور، وتجاهلت جوهر الخطاب المنفتح، الذي استخدمه باسيل خلال جولته البشرانية، إلاّ إذا كان المطلوب منه اعتماد لغة استفزازية، في اعتبار أن البعض يعتقد أنّ بامكانه توظيفها للتحريض عليه وتأجيج مشاعر الكراهية ضده».
وأبعد مما يطفو على سطح الزيارة، يشير المصدر البرتقالي الى أنّ «امتعاض «القوات» الشديد منها، نابع من إحساس لديها بأنّ خطوة باسيل كسرت «مفهوم الغيتو»، الذي لا يزال يؤثّر على سلوك معراب، والأهم إنها أعطت «القواتيين» إشارات مقلقة حول ما يمكن أن يحمله المستقبل، على صعيد الحسابات السياسية والانتخابية في بشري».
اللافت في هذا السياق، أن المرشح السابق الى الانتخابات النيابية ضد «القوات» في بشري وليم طوق، وهو إبن عم النائب ستريدا جعجع، استضاف باسيل الى مأدبة عشاء في منزله، وكأنه أراد بذلك أن يعلن عن «خطوبته السياسية» على «التيار»، علماً أن طوق كان مدعوماً في الانتخابات السابقة من قِبل الوزير السابق سليمان فرنجية.
وتجدر الاشارة الى أنّ طوق استطاع الحصول على عدد لا بأس به من الاصوات التفضيلية، في الاختبار الانتخابي السابق، فإذا أضيفت الى الاصوات، التي نالها مرشح «التيار»، يصبح بمقدور باسيل – وفق تقديرات مناصريه – توليد دينامية مؤثِّرة وقوة وازنة، خلال الاستحقاق المقبل، في عرين «القوات» وداخل عُمقها الشمالي الحيوي، «وهذا حق ديموقراطي ومشروع»، الى جانب احتمال أن تتمدّد مفاعيل هذه المعادلة في اتجاه زحلة أيضاً، عبر مدّ جسور التعاون مع شقيقة طوق، السيدة ميريام سكاف.
وترجِّح أوساط «التيار» أن تكون هذه الحسابات المتصلة بالبيت الداخلي لـ»القوات»، هي «السبب الحقيقي والضمني الكامن خلف توتر معراب، ومجاهرة السيدة ستريدا جعجع بانزعاجها من زيارة باسيل الى بشري».
في المقابل، تحمّل «القوات» باسيل المسؤولية الكاملة عن الملابسات، التي رافقت جولته على بعض بلدات قضاء بشري، لافتة الى أن ما واكبها من تجاوز للأصول أدى الى تعثُّرها، الامر الذي كان بالإمكان تفاديه، لو أن وزير الخارجية تصرّف بطريقة مختلفة.
وليس صحيحاً في تصنيف «معراب» أن بشري كناية عن غيتو مغلق، وهي تؤكد أنها لا تخشى من مفاعيل جولة باسيل، «إذ أن جذور «القوات» راسخة في تلك المنطقة، ولم تستطع أن تهزها عواصف فكيف بزيارة».
ويشير مصدر قواتي الى أنها ليست المرة الاولى، التي يزور فيها باسيل قضاء بشري، ولم يحصل قبلاً أن بَدر ايّ تصرُّف من أحد، لكن الذي جرى هذه المرة أنه تمّ تجاوز الحد الادنى من اللياقات. ويضيف: «هل من المقبول على سبيل المثال، أن يزور نائب بعبدا عن «القوات» بيار ابي عاصي الضاحية الجنوبية ويعمل طنة ورنة؟ إن اللياقات تقتضي بأن نحترم أحجام وخصوصيات بعضنا البعض، وهذا ما لم يُراعَ خلال زيارة باسيل الاخيرة الى بشري، والتي ذهبت في اتجاه الاستفزاز المجاني».
ويلفت المصدر الى أن الزيارة لو اتخذت المنحى الودي المفترض بين حزبين مسيحيين كبيرين، لكان يتوجب على رئيس «التيار الحر» أن يزور نواب بشري، خصوصاً بعد المصالحة وطي صفحة الماضي، لافتاً من باب المقارنة الى أن غسان حاصباني بادر عندما كان وزيراً للصحة الى زيارة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية في بنشعي قبل أن يجول على مستشفيات المنطقة، مع العلم أنه لم تكن قد تمت بعد المصالحة بينه وبين الدكتور سمير جعجع.
ويتابع المصدر في «القوات»: «لو أن المشكلة هي مشكلة توتر حيال مبدأ الزيارة، لما كان رئيس بلدية قنات القواتي قد أعطى إذنا لرفع لافتة ترحيب بباسيل. المسألة تتعلق حصراً باللياقات لا أكثر ولا أقل».
ويَعتبر أن جولة باسيل لم تكن ناجحة، «حيث استقبله العشرات فقط في قنات»، أما في حدشيت فالاستقبال «تعتير»، وفق توصيفه.
وينتهي الى القول: «إن ارتداء الياقات لا يعوّض عن غياب اللياقات».