لم يكن وقع كلام الرئيس ميشال عون من بكركي إيجابياً على «بيت الوسط»، إلّا انّ الرئيس سعد الحريري قرر «احتواءه»، على رغم من انّ بعض مضامينه ليست سهلة الهضم.
كما في السياسة والميدان، بَدا عون حازماً في مقاربته التحدي الاقتصادي والمالي وواثقاً من قدرته على مواجهته، مؤكداً انّ قصر بعبدا قادر على التبرع بالحل لمَن تنقصه الخبرة ومنتقداً التباطؤ في إنهاء الموازنة.
وجهة الرسالة كانت واضحة، سواء قرر الحريري ان يتلقاها أم لا. لم يكن صعباً الاستنتاج انّ رئيس الجمهورية أراد من خلال موقفه التعبير عن امتعاضه من طريقة تعاطي الحكومة ورئيسها مع استحقاق الموازنة وملف الأزمة الاقتصادية – المالية. عون الذي يشعر بوطأة الوقت وكلفته الباهظة يستعجل المعالجات، بينما يبدو الحريري كأنه يتمهّل في نسج خيوطها على قاعدة الحاجة الى تأمين أوسع توافق حولها.
لكنّ هذا التمايز او التباين بين عون والحريري سيبقى على الارجح تحت السيطرة، ولن يتطور في الوقت الحاضر الى نزاع حاد، خصوصاً انّ اللحظة الحالية المُثقلة بالضغوط والتحديات لا تتحمّل مثل هذا الترف.
ومنذ أن حتّمت التسوية الرئاسية وجودهما معاً في السلطة تحت سقف واحد، نجح رئيسا الجمهورية والحكومة في التعايش الى حد كبير، وتمكّنا من تنظيم الخلاف عندما كان يقع، بل انّ عون خاض معركة سياسية – ديبلوماسية دفاعاً عن الحريري أثناء أزمته الشهيرة في السعودية.
والحريري بدوره، يتجنّب منذ تسلّمه رئاسة الحكومة بموجب التسوية المعروفة، الصدام مع عون، على رغم من أنّ لديه ملاحظات على عدد من مواقفه وخياراته في أكثر من ملف. يميل الحريري الى تدوير الزوايا في علاقته بعون، ويحاذر خوض مواجهة مباشرة ومكشوفة معه، متسلّحاً بالواقعية والبراغماتية في سلوكه وممسكاً بالعصا من الوسط، وهو الذي يدرك أنه يحتاج الى المحافظة على الحد الادنى من العلاقة الجيدة برئيس الجمهورية للاستمرار بأفضل الشروط الممكنة في رئاسة الحكومة.
لا أوراق كثيرة يمكلها الحريري في جعبته، ولذلك وجد أنّ مواصلة «الصيانة» للشراكة التي تجمعه بعون، كلما دعت الحاجة، تظل الخيار الأفضل قياساً الى الاحتمالات الاخرى.
بهذا المعنى، حاول الرجلان منذ بداية العهد، وكلٌ انطلاقاً من اعتباراته، أن يقدما نموذجاً مغايراً عن العلاقة السيئة التي سادت بين الرئيسين اميل لحود ورفيق الحريري، إنما من دون ان يعني ذلك الانتفاء الكلي للحذر المتبادل والكامن الذي يطفو على السطح عند المحطات الدقيقة والجوهرية، بل انّ محيطين بعون يعتبرون انه لا يجوز الرهان أو الاتّكال على انّ في قدرة التسوية الرئاسية ان تتحمل دائماً الانتكاسات في شراكة بعبدا – «بيت الوسط»، لأنّ هناك محظورات لا يستطيع رئيس الجمهورية القبول بها او التغاضي عنها، بإسم التسوية.
وعلى وقع رسالة عون التحذيرية من بكركي، يؤكد قريبون من الحريري انّ الحل للمشكلة الاقتصادية – المالية ليس موجوداً في حوزة شخص واحد، ولا يمكن العثور عليه في مكان واحد، بل يتطلب توافقاً عريضاً. ويضيفون: «ليس هناك من قصر يستطيع ان يتولى المعالجة حصرياً، ذلك انّ هذه هي مسؤولية مشتركة ومتكاملة».
ويلفت هؤلاء الى انّ الحريري يستكمل بناء شبكة التوافقات حول الموازنة بعيداً من الشعبوية والمزايدات، الأمر الذي يتطلب بعض الوقت.
ويؤكد المحيطون بالحريري انه يتصرف كرجل دولة مؤتمن على المصلحة الوطنية العليا، «وهذا ما يتحكّم بسلوكه وقراراته»، مشيرين الى انه يعتبر انّ المرحلة الحالية مخصّصة للعمل وليست للانزلاق الى الردود او المزايدات.
ويوضح القريبون من رئيس الحكومة انه لم يقرر أصلاً الرد على عون، وبالتالي غير صحيح انه كان في صدد الرد ثم تراجع، معتقدين انّ موقف رئيس الجمهورية في الصرح البطريركي «هو ابن ساعته، وليس مخططاً له عن سابق تصور وتصميم».
ويشدد هؤلاء على انّ الحريري «لا يغامر ولا يتخذ قراراته على أساس عاطفي او انفعالي، وإنما يعتمد المقاربة الموضوعية المتحسسة للمسؤولية، ويدعو الآخرين الى ملاقاته في هذه المقاربة».
وتشير الاوساط اللصيقة بالحريري الى انّ عون انتقد من حيث يدري او لا يدري الوزير جبران باسيل عندما رفض ان يتم البحث على الملأ، وخارج إطار النقاشات الداخلية، في الاجراءات التي يجب اتخاذها، «لأنّ باسيل هو الذي فعل ذلك».