تعامل «حزب الله» مع واقعة قبرشمون، على طريقته المحسوبة في قياس الأحداث والخيارات، ولاسيما أنّ الأمر يتعلق بالجبل، حيث تتقاطع الامتدادات الدرزية والمسيحية والسنّية والشيعية في عدد من بلداته وقراه، ما يضفي حساسية مفرطة على تركيبته التي تبدو مهيأة للتأثر التلقائي بأي حدث نافر، من النوع الذي دهم منطقة الشحار في عاليه أخيراً.
لم يتردّد «الحزب» في الوقوف الى جانب رئيس «الحزب الديموقراطي» النائب طلال ارسلان وإبداء التعاطف الكامل معه، في مواجهة حادثة قبرشمون وتداعياتها المأساوية، اولًا لأنّ ارسلان حليف استراتيجي وتاريخي في البيئة الدرزية، وثانياً لأنّه ولي الدم المسفوك والمعتدى عليه، كما يتبيّن من هوية الضحيتين.
وقد شكّلت زيارة الوزير محمود قماطي دارة خلدة والمواقف التي اطلقها من هناك، إشارة واضحة الى احتضان «الحزب» لارسلان، في لحظة عصيبة ومفصلية، علماً أنّه كان مُخططاً أن يستقبل قماطي رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في بلدة القماطية، لو بقي إيقاع جولته منتظماً، إلّا أنّ ما حصل في قبرشمون أفضى الى الغاء لقاء القماطية، فيما بقي قماطي على اتصال هاتفي بباسيل للتشاور في التطورات الميدانية وطريقة التعامل معها.
ولئن كانت قيادة «حزب الله» بادرت الى تظهير موقفها المبدئي الواضح ممّا جرى، مؤكّدة عبر تصريح قماطي، أنّ عصر الميليشيات والمناطق المغلقة ولىّ، إلّا أنّها بدت حريصة على ترسيم حدود تدخّلها بعناية، تفادياً لأي انزلاق الى النزاع الدرزي الداخلي وتجنباً للظهور كطرف مباشر فيه، بمعزل عن خلافها المعروف مع النائب السابق وليد جنبلاط.
و»الحزب»، الذي صار مع مرور الوقت والتجارب خبيراً في تعقيدات الواقع اللبناني وتوازناته، يفترض أنّ مفاعيل حادثة قبرشمون ستُعالج عاجلاً أم آجلاً، على قاعدة أنّ ضرب السلم الأهلي ممنوع مهما بالغ البعض في اللعب على حافة الهاوية، وهو على اقتناع بأنّ كل المواجهات والخلافات ستبقى، على رغم من حدّتها، منتظمة تحت سقف التسوية الكبرى التي لا يزال يحميها رعاتها الاساسيون، «وكما جرى في احتواء الأزمة التي نتجت من صدام الجاهلية الفائق الخطورة، سيتم كذلك تطويق آثار موقعة قبرشمون وسيعود الجميع الى ضبط سلوكهم على توقيت ساعة التسوية التي لا تزال عقاربها تدور الى الامام وليس الى الوراء».
ويسخر المحيطون بدائرة القرار في «الحزب» من اتهامه بأنّه يسعى، بالتنسيق مع النظام السوري، الى محاصرة جنبلاط، وبأنّ ما جرى في الجبل أخيراً يحمل بصماته في سياق السعي الى استهداف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، لافتين الى أنّ اولويات «الحزب» واهتماماته الاستراتيجية تتوزع في اتجاهات أخرى، تمتد من جبهة الصراع مع اسرائيل وصولاً الى تطورات المواجهة مع واشنطن والتوتر الاميركي- الايراني المتصاعد في الخليج، وبالتالي من السخافة الظن بأنّ معمل ترابة في عين دارة أو التنافس على نفوذ مناطقي يمكن أن يُشغل «الحزب» او يحرفه عن بوصلته الأصلية.
ويعتبر هؤلاء، أنّ الكلام على سعي «الحزب» الى تطويق جنبلاط هو جزء من عوارض «وسواس» سياسي يصيب البعض، ولا علاقة له بالحقيقة، مشيرين الى أنّ مشكلة جنبلاط الحقيقية نابعة من شعوره بأنه تعرّض الى الاقصاء المتعمد عن التسوية ومكاسبها، وبالتالي فانّه يرسل إشارات احتجاجية متلاحقة كلما سنحت له الفرصة، علماً أنّ أزمته الحقيقية في هذا المجال هي ليست مع «الحزب»، بل مع الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، لاعتقاده أنهما يسعيان الى احتكار التسوية، من دون مراعاة موقعه ومصالحه.
ويشير القريبون من «الحزب»، الى أنّ تأكيد قماطي أنّ حرية التعبير مكفولة في الدستور ومن غير المقبول إغلاق أي منطقة أمام أي مواطن لبناني، إنما يسري ايضاً على الضاحية الجنوبية التي ليست «غيتو» مقفلاً، وهي تتسع لأصحاب الرأي الآخر، شرط ان يأتي هذا الأمر في سياق الظرف الموضوعي لا المُفتعل، لافتين الى أنّه سبق لـ»القوات اللبنانية» أن نظّمت نشاطات في المنطقة عشية الانتخابات النيابية عام 2005، وكذلك «التيار الحر» الذي لم يكن آنذاك قد أصبح حليفاً لـ»الحزب».