«إن أسوأ مراتب الجحيم مرصودة لمن يتخذون موقف الحياد في القضايا ذات البعد الاخلاقي»
(أليغيري دانتي)
مع أن «حزب الله» تأسست عقيدته على قناعات تاريخية عمرها أربعة عشر قرناً، وجزء كبير منها يستند إلى تقاليد متوارثة بالكلام وأساطير لا دلائل حسية عليها، لكنه اليوم يتصرف في موضوع عقيدة ولاية الفقيه على أساس أنها باقة من الأفكار اليقينية التي تختصر الماضي وتحكم الحاضر وتتحكم بالمستقبل.
باختصار، فإن ما دفع هذا الحزب إلى عالم الوجود اليوم، هو الإستناد إلى فرضيات في التاريخ، غير متوافق عليها، ولكنه يعتبرها المصدر الأساس لتصرفاته وشعاراته.
لكن المستغرب إلى حد الإضحاك اليوم، هو لجوء المتحدثين باسم هذا الحزب، إلى الدعوة لنسيان الماضي ونبذ البحث في التفاصيل ونكران حق الناس في تفنيد أسباب ما يحدث سعياً لحسن معالجتها، وذلك بحصر الواقع بضرورة اتحاد اللبنانيين وراء الميليشيات لدحر عدو «البشرية المشترك» وإسمه الإرهاب التكفيري، ضمن حلف تقوده الولايات المتحدة الأميركية، مع العلم أنها الشيطان الأكبر!
أنا لن أدخل هنا في سفسطائية الحديث عن من هو إرهابي وكيف يصبح إرهابياً، وإلى ما هنالك من بحوث قد تبدأ ولكن لن تنتهي. بالمحصلة فسيقوم هؤلاء بوصفي بأنني مؤيد للإرهاب، خاصة في ظل الغوغاء التي تسيطر اليوم على عقول اللبنانيين من سياديين وغير سياديين.
سأحصر مقالي الآن بشرح كيف تسبب «حزب الله» في تأزيم مسألة اللجوء السوري بشكل عام، ومن ضمنه اللجوء الكارثي إلى لبنان. ولو بحثنا بتجرد وموضوعية، لرأينا أن مسألة الإرهاب، مهما تسببت بأخطار داهمة ومرعبة، لكنها بالمحصلة مسألة عابرة مهما كان أثرها المؤقت.
أما قضية النزوح، فمن الصعب اليوم في ضمن المعطيات الإقليمية أن نعتبرها مجرد أزمة مؤقتة ستزول بمجرد عودة بشار الأسد ليتربع إلى الأبد على عرش حافظ الأسد.
«حزب الله» اليوم يريد أن يحوّل الأنظار نحو الإرهاب ليخفي واقع تسببه، عن غير قصد، بدفع مليون ونصف مليون سوري ليدخلوا لبنان، على مدى السنوات الماضية تحت حجج متعددة، لكن أهمها بالتأكيد كان، ولا يزال، الهروب من خطر الموت الداهم في ظل الحرب القائمة في سورية.
أقول إن «حزب الله» لم يقصد أن يهجّرهم إلى لبنان، لأنه، وإن كان لا مانع له من المساعدة في عملية الترانسفير المذهبي داخل سورية، وعملية التهجير إلى الأردن وتركيا، لكنه بالتأكيد لا رغبة له في وجود أكثر من مليون سنّي إضافي في لبنان ضمن نطاق مستعمرته المذهبية.
من هنا كيف تقع المسؤولية على الحزب في وجودهم اليوم؟
تصوروا هذه السيناريوهات:
١- انطلقت الثورة في سورية تحت شعار سلمية وحرية، قبل أن يبدأ سفك الدماء، فيتوجه حسن نصر الله إلى دمشق وينصح بشار الاسد بمنح الشعب السوري مطالبه، وفتح أبواب حرية القرار للناس. وبما أن الشعب السوري وطني ومعاد للصهيونية، ومحب للمقاومة وأسدها الهصور حسن نصر الله، فمن الطبيعي أن هذا الشعب سيحفظ ظهر المقاومة مهما حصل ومهما أدّت الديموقراطية إلى تغييرات في وجه السلطة.
لو حصل ذلك، لما رأينا لاجئاً واحداً في لبنان، ولربما آثر بعض اللبنانيين أن يذهبوا للسكن هناك.
لكن ذلك لم يحصل لأن «حزب الله» وقيادته في إيران اعتبرت أن اي تغيير في سورية لن يؤمّن لهما الراحة المطلقة التي أمّنها بشار من خلال تسليمه قرار سورية للولي الفقيه.
٢- تصوروا أنه بعد انشقاق الجيش الحر، قام الحزب بالتواصل مع قيادته معلناً حياده في المواجهة، وأنه يرفض أن يزهق دم السوريين الذين حموا ظهره على مدى عقود، ونصح بشار بالتخلي عن السلطة مقابل قيام حكم وطني ديموقراطي.
بالتأكيد لكانت سورية سارت على الأرجح في طريق مختلف تماماً، ولكان اللجوء محدوداً، ولكانت التسوية على الأرجح قاب قوسين هناك.
لكن ذلك لم يحصل لأن الحزب وقيادته في إيران اعتبرت نفسها اشترت القرار والأراضي السورية، وزرعت علمها كما قال قادتها على عواصم الهلال الشيعي، وأن الضامن لعملية بيع سورية هو بشار. عندها دخل «حزب الله» إلى سورية تحت عناوين متدرجة بدأت بحماية مقام السيدة زينب، ثم لحماية أبناء القرى الشيعية على الحدود الشرقية الشمالية، ثم لحماية ظهر المقاومة، إلى أن أتى الفرج التكفيري الذي يريدنا حسن نصر الله أن ننسى الماضي لمواجهته معه.
بالمحصلة فإن دخول «حزب الله»، ومن بعده الميليشيات المذهبية أجج الحرب وأطال أمدها وزاد بدمارها، وبالتالي دفع بأعداد جديدة من السوريين إلى لبنان.
كل ذلك يريدنا «حزب الله» اليوم أن ننساه ونشكره ونقول لبيك نصر الله بعد همروجة جرود عرسال.
اليوم وغداً، الحل الوحيد لعودة اللاجئين هو بزوال اسباب لجوئهم، أي بتأمين الأمان أولاً ومن ثم المسكن والمعيشة في سورية، وهذا بالتأكيد لن يكون عن طريق بقاء بشار في الحكم، بل هو بسلطة جديدة تعطي الثقة للسوريين للعودة من مأساة لجوئهم.
(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»