فجأة، قرّرت تل ابيب أن تخوض معركة أنفاق «هوليودية» ضد «حزب الله»، تحت مسمى «درع الشمال»، الامر الذي طرح تساؤلات عدة حول توقيت هذه الاستدارة الإسرائيلية نحو الحدود مع لبنان، ودوافعها الحقيقية.
بينما كان «حزب الله» منشغلاً بمتابعة تداعيات حادثة الجاهلية، وجد نفسه امام تطور داهم على الجانب الآخر من السياج الحدودي الشائك، مع التحرك الواسع للآليات الإسرائيلية في محاذاة الخط الفاصل مع لبنان، لتقفّي أثر الأنفاق المفترضة ونسفها.
و«الحزب» المتوثب للتعامل السريع مع أيّ مغامرة اسرائيلية، والمحتفّظ بجهوزية للتحرك الفوري، سارع الى الاستنفار العسكري غير المرئي في مواجهة العملية الاسرائيلية، واتّخذ في الظل تدابير وقائية تحسّباً لكل الاحتمالات، بحيث كان جاهزاً لملاقاة أسوأ سيناريو ممكن وهو الحرب، علماً أنّ «الحزب» لا يزال يستبعد حتى الآن فرضية اندلاع الحرب الشاملة لاعتبارات عدة، إنما من دون أن يُسقط من حسابه كلياً احتمال أن يتّخذ العدو الاسرائيلي، في لحظة ما، قراراً متهوّراً بشنّ عدوان واسع على لبنان.
وعلى الرغم من دقة الوضع المستجد أمس، إلّا انّ «حزب الله» تعامل بأعصاب باردة مع التطور الاسرائيلي الذي كان يخضع لحظة بلحظة للمراقبة الميدانية من قبل عناصر «المقاومة»، وللتشريح الدقيق على اعلى المستويات القيادية، للتأكد من أنّ جيش الاحتلال لن يتجاوز قواعد الاشتباك والخطوط الحمر في حملته على ما يُعتقد انها أنفاق حفرتها «المقاومة»، وتمتد وفق اعتقاده من الجانب اللبناني الى داخل الاراضي المحتلة.
ويعتبر «الحزب» أنّ معادلة الردع والتوازن التي أرساها في الجنوب لا تتحمّل أيّ عبث بها أو تعديل فيها، وهو لن يسمح للإسرائيلي بأن يتجاوز مفاعيلها أو يتحايل عليها، خصوصاً انّ «الحزب» يمسك بخيوط اللعبة في الجنوب حيث بيئته الأصلية وعمقه الحيوي، خلافاً لخصوصية الوضع في الساحة السورية التي تملك فيها تل ابيب هامشاً من المناورة بفعل تعدد اللاعبين وتداخل عوامل إقليمية ودولية.
والارجح انّ اسرائيل تعرف جيداً هذه الحقيقة التي اختبرتها أكثر من مرة في الماضي، ولذلك حرص عدد من مسؤوليها ومحلّليها على التأكيد انّ عملية «درع الشمال» تتّخذ الطابع الدفاعي وانّ تل أبيب غير معنية بالتصعيد، في ما بدا أنها تطمينات موجّهة الى «الحزب».
و«فوبيا الأنفاق» ليست جديدة لدى الكيان الاسرائيلي، إذ إنها تسبّب له الأرق والقلق منذ فترة طويلة، وكم من مرة أبدى المستوطنون في المستعمرات الشمالية خشيتهم من وجود أنفاق لـ«حزب الله» في محيطهم، وتحت الارض التي شُيدت عليها منازلهم، بل إنّ بعضهم كان يؤكد انه سمع أصوات حفر تنبعث من باطن الارض.
ولعلّ السؤال الأبرز الذي يُطرح على وقع التنقيب الاسرائيلي عن الأنفاق ومطاردة «أشباحها» هو: لماذا استفاق بنيامين نتيناهو الآن على ضرورة «مصادرتها»، لا قبل ولا بعد، مع أنّ المخاوف من وجودها ليست جديدة؟
تشير اوساط على صلة بملف الصراع بين «حزب الله» وإسرائيل الى انه يمكن إدراج مبادرة اسرائيل الى إطلاق عروض فيلم «درع الشمال»، المصنّف ضمن فئة «الأكشن»، في سياق التفسيرات الآتية:
– محاولة نتنياهو الهروب عبر «الأنفاق» من فضائح الفساد التي تلاحقه وتهدّد مصيره السياسي والشخصي، مفترِضاً أنّ افتعال مثل هذه الهمروجة على الحدود مع لبنان قد يسمح له بصرف الانتباه عمّا يتعرض له في الداخل وشدّ عصب الاسرائيليين حوله مجدداً، ربطاً بهواجسهم المتفاقمة حيال ما يحضره الحزب من «مفاجآت» في أيّ مواجهة محتملة.
– سعي نتنياهو الى التعويض عن إخفاقه الكبير في منع حصول «حزب الله» على الصواريخ الدقيقة التي تقلق تل أبيب نتيجة بُعدها الاستراتيجي النوعي، وذلك عن طريق اختراع إنجاز وهمي يغطي على العجز في مكان آخر.
– ممارسة الضغط على الدولة اللبنانية وإحراج «الحزب» امامها، بذريعة عدم احترامه مندرجات القرار 1701، وتهديده امن الكيان الاسرائيلي.
– السعي الى إعادة ترميم صورة الردع الاسرائيلي بعد اهتزازها بقوة تحت وطأة المواجهة الاخيرة في قطاع غزة والتي تركت تداعيات حادة على حكومة تل أبيب وهيبتها.