الخشية من رهن أزمة التأليف بمصير الصفقة بين إيران والولايات المتحدة
كيف انقلبت «تسهيلات» نصر الله لتشكيل الحكومة الجديدة إلى عقبات مفاجئة؟
«في حين يذهب البعض إلى ان «حزب الله» كان منذ البداية يدعي تقديم «التسهيلات»، كان يتلطى وراء الخلافات والعقد التي تعترض عملية التشكيل منذ بداياتها»
منذ بدّء المشاورات بين القوى السياسية الأساسية لتشكيل الحكومة الجديدة، وخلال سلسلة التجاذبات وتصاعد الخلافات حول الحصص والحقائب الوزارية، لهذا الطرف أو ذاك، كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، يستغرب في اطلالاته التلفزيونية المتكررة أسباب تأخير تشكيل الحكومة العتيدة ويدعو الجميع للإسراع بعملية التشكيل لأن البلد بحاجة لوجود حكومة جديدة تتولى مقاليد السلطة والاهتمام بحاجات ومطالب المواطنين الضرورية، ويكرر بأن الحزب قدّم كل «التسهيلات» اللازمة امام الرئيس المكلف لتسريع عملية التشكيل.
وفجأة وعندما ذللت كل العقد والصعوبات وكان آخرها ما عرض على حزب «القوات اللبنانية» من مقاعد وحقائب وزارية، وباتت ولادة الحكومة الجديدة قاب قوسين أو أدنى من الاكتمال، حتى فوجئ اللبنانيون عموماً والوسط السياسي خصوصاً بمطلب مستحدث لحزب الله تحت مسمى توزير ممثّل عن النواب «السُنّة المعارضين» وهو مطلب لم يطرح منذ بداية المشاورات وحتى إنتهائها، وكل ما كان يصدر بخصوصه مواقف يتيمة لأحد هؤلاء النواب، بالرغم من انتماء كل منهم لأحد الكتل الأساسية الممثلة في الحكومة بوزراء معينين.
وهكذا انقلبت كل «تسهيلات» نصر الله إلى عقدة أساسية تطالب بتمثيل تجمع هؤلاء النواب التابعين للحزب بالحكومة وإلا لن يكتب لهذه الحكومة المرتقبة الولادة التي انتظرها اللبنانيون منذ انتهاء الانتخابات النيابية الأخيرة في شهر أيار المنصرم، في ظل معارضة شاملة من كل القوى السياسية الأساسية وان تجاوزها أحدهم بموقف خجول تفادياً لتعكير علاقاته مع الحزب المذكور، في حين طرحت تساؤلات عديدة عن أسباب طرح «حزب الله» مثل هذا المطلب التعجيزي في اللحظات الأخيرة التي سبقت اكتمال عملية التأليف وأدت في خلاصاتها إلى خلق هوّة كبيرة بين الحزب واكثرية اللبنانيين وان كان بعضهم يتجنب الإعلان عن موقفه جهاراً بما يحصل خشية تردي علاقاته مع الحزب لأنه غير مقتنع بصوابية هذا الطرح بتاتاً، بينما أدى ما حصل إلى فرملة عملية تشكيل الحكومة الجديدة حتى الآن على الأقل.
ففي حين يذهب البعض إلى ان «حزب الله» كان منذ البداية يدعي تقديم «التسهيلات» العلنية لعملية تشكيل الحكومة كما حكى عنها نصر الله في اطلالاته التلفزيونية المتكررة، كان يتلطى وراء الخلافات والعقد التي تعترض عملية التشكيل منذ بداياتها، تارة تحت ما سمي بالعقدة الدرزية، وتارة ما أطلق عليه عقدة «التيار العوني» و«القوات اللبنانية» وما تخللها من حملات ومواقف حادّة بين الطرفين ولم يكن بحاجة لإظهار اعتراضاته المباشرة لعملية التشكيل استباقاً للتطورات المتسارعة والمتعلقة بتصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران وارتداداتها المحتملة على الحزب في لبنان، لئلا يرمي بمسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة واعاقة مسيرة عهد الرئيس ميشال عون، إلى ان اضطر لاشهار مطلب تمثيل «النواب السنة المعارضين» المصطنع لأنه لم يكن يتوقع ان توافق «القوات اللبنانية» على الاشتراك بالحكومة الجديدة بالحصص والحقائب الوزارية المعروضة عليها.
بينما اعتبر البعض الآخر بأن طرح «حزب الله» المفاجئ على هذا النحو ومطالبته بتوزير ممثّل عن «النواب السنة المعارضين» في اللحظات الأخيرة التي كانت ستسبق إصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، ليس طرحاً بريئاً وإنما يهدف لفرض أمر واقع سياسي جديد، يرتكز على المتغيّرات الإقليمية ولا سيما استهداف المملكة العربية السعودية على خلفية أزمة اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، لزيادة نفوذ الحزب في قرارات وسياسة الحكومة ومحاولة تقييد حركة رئيس الحكومة سعد الحريري فيها.
ومهما يكن وإن كان هذا الطرح مرفوضاً من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة وان لم يتحقق في ظل هذا الرفض، الا ان الهدف من طرحه قد تحقق وهو تعطيل خطوات استكمال تشكيل الحكومة الجديدة، وإطالة أمد الفراغ الحكومي لحسابات إقليمية معروفة ولم تعد تخفى على أحد.
ويخشى في حال لم تنجح الجهود المبذولة في الأيام القليلة المقبلة لتجاوز عقدة «حزب الله» المفبركة، ان يكون لبنان قد أصبح بفعل هذا التصرف أسير حسابات صراع النظام الإيراني مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي ليست المرة الأولى، وقد دفع اثماناً غالية جرّاء زجه في هذا الصراع، وهذا يعني ان أزمة التأليف قد دخلت في متاهات هذا الصراع المعقد والطويل.