لم يشعر عددٌ من السفراء الغربيين والعرب بعطلة نهاية الأسبوع عندما اضطروا الى متابعة التطورات اللبنانية لحظة بلحظة. فتردّدات استقالة الرئيس سعد الحريري والحديث عن «المحنة» حول شكل إقامته الذي عدَّ سابقة. وما هي ساعات حتى عبّر عددٌ منهم عن إعجابهم بردات الفعل اللبنانية وقدرة البلد على استيعاب الصدمة اقتصادياً وامنياً. وهذه بعض الإنطباعات عن ساعات الإستقالة والمحنة.
فقد كان لإعلان الاستقالة في شكله ومضمونه وتوقيته وقعُ الصدمة على الجميع وأصيب بعضُهم بذهول نظراً الى الخطوة المفاجئة التي لم يكن يتوقّعها أحد، خصوصاً أولئك الذين التقوا الحريري في الأيام الفاصلة بين زيارته الأولى للرياض في عطلة نهاية الأسبوع الماضي وعودته اليها الجمعة بلا سابق إنذار.
وعليه، وبعد ساعات قليلة على بيان الإستقالة وبدء ضخّ المعلومات عن حملة مكافحة الفساد، فقد سعى بعضُ الديبلوماسيين الى معرفة ما جرى في الساعات التي سبقت عودة الحريري الى الرياض ودوافعها في هذا التوقيت بالذات تزامناً مع ساعة الصفر التي كانت تستعدّ فيها الأجهزة الأمنية الملكية المختصة بتوقيف عشرات الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين وكبار مدراء الشركات الإستثمارية العاملة في مجال الإتصالات والنفط وبعض القادة العسكريين سعياً الى استشكاف بعض من الحقائق الغامضة.
وبين المؤشرات الى هذه التحرّكات الديبلوماسية الناشطة سأل سفير عربي مرجعاً سياسياً في مساء السبت عن مضمون اتّصالٍ هاتفي تلقّاه الحريري بعد ساعة ونصف الساعة على لقائه مستشار الشؤون الدولية لمرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي أكبر ولايتي يدعوه فيه الطرفُ السعودي الى استعجال الزيارة من دون أن يرافقه فيها أيٌّ من مساعديه.
ولم يقتنع الديبلوماسي بما تبلّغه من قريبين من الحريري عندما أبلغه أحدُهم أنّ هناك نقاشاً واسعاً مع القيادة السعودية بدأه قبل عودته الى بيروت لترؤُس جلسة مجلس الوزراء واجتماعات عدد من اللجان الوزراية المكلفة متابعة ملف النازحين السوريين وقانون الإنتخاب، وأنّ فريقَ عمله يستعدّ للتوجّه الى القاهرة ليوافيه في الزيارة التي سيقوم بها للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمشاركة في «ملتقى الشباب العالمي» في شرم الشيخ الى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وأمام تضارب المعلومات طرَح معظمُ الديبلوماسيين جملةً من الأسئلة المتشابهة لخّصها مرجعٌ ديبلوماسي ووافقه مرجعٌ أمني في بعضها وتركّزت على العناوين الآتية:
• ما هو دور الحريري في الحملة التي شهدتها الرياض ليكون من بين الأمراء أصحاب المليارات المتهمين بالفساد، وقد جفّ الحبر الذي تحدّث عن حاله المالية الصعبة بعد تصفية أكبر شركاته «سعودي أوجيه» ووضع ملفّاتها في عهدة الإدارة المكلفة التصفية بعدما أمر العاهل السعودي بدفع تعويضات آلاف العاملين فيها من السعوديين والعرب والأجانب رهناً بالتصفية التي أُجريت في المؤسسة والتي قيل إنها باتت في عهدة وليّ العهد شخصياً.
• ما هو مضمون اللقاء الذي جمعه بالموفد الإيراني وما حمله من جديد في ضوء المعلومات المتناقضة التي تحدّثت عن «مبادرةٍ إيرانية» جديدة حملها ولايتي الى الحريري دفعته الى الزيارة العاجلة في مقابل رواية إيرانية أخرى تسرّبت من طهران وقالت بمبادرة طرحها الحريري نفسه مبدياً استعدادَه للقيام بدورٍ ما اعتاد والدُه القيام به سابقاً.
• ما أهمية المعلومات التي تحدّثت عن ردّة فعل سعودية تجاه المواقف الإيرانية التي أطلقها ولايتي من منبر رئاسة الحكومة في بيروت، معتبراً أنّ ما حصل من انتصارات للجيش و«حزب الله» في عملية «فجر الجرود» وعرسال، وتحديداً في انتصاره على الإرهاب انتصاراً لمحور المقاومة والممانعة في المنطقة بعدما ربطها في سياق ما يجري في العراق وسوريا.
• السعي الى استكشاف ردّات الفعل اللبنانية تجاه الحدث بعدما تبلّغوا باستعداداتٍ أطلقها تيار «المستقبل» والحديث عن محاولة اغتيال فاشلة تعرّض لها الحريري قبل أيام وأنّ هناك مَن يهدّد أمنه وحياته الشخصية. وما زاد من المخاوف ما واكب هذه المعلومات من ردّات الفعل الشعبية بكل أشكالها الغاضبة والمستهترة وتلك الشامتة التي رفعت من منسوب التوتر في الساعات الأولى التي تلت الإستقالة.
والى هذه الأسئلة التي تشارَك معظمُ السفراء المعتمَدين في لبنان في طرحها فقد لاحظ مرجعٌ أمني أنّ الجميع سألوا عن الأحداث الأمنية المتوقعة، وهل هناك احتمالُ حصول ضربة إسرائيلية للبنان بغطاءٍ خليجي؟ وما هي القدراتُ اللبنانية لكبح جماح أيِّ مغامرة يمكن أن يقودَ اليها «طابورٌ خامس»؟
ويعترف أكثر من سفير أنّ ما فوجئ به السلك الديبلوماسي يكمن في حركة رئيس الجمهورية الذي تريّث في التعاطي مع الإستقالة قبل أن يلتقي الحريري. وأرفق تريّثه وهدوءَه بحملة إتصالات عاجلة أجراها مع رؤساء الكتل النيابية الممثلة في الحكومة والقيادات العسكرية والأمنية والرئيس نبيه بري والمراجع النقدية والمصرفية بدّدت كثيراً من اجواء التوتر ورسمت سقوفاً أمنية واقتصادية عالية لا يمكن تجاوزُها بسهولة وهو ما زرع الإطمئنان في قلوب الجميع وما دفع البعض الى السخرية بمضمون بيانات خليجية دعت رعاياها الى مغادرة لبنان.
واعترف ديبلوماسيّ خليجي أنه فوجئ بما تبلّغه من قراءة للمواقف التي تحدّثت عن تضامن غير مسبوق مع الحريري عبّر عنه رئيس الجمهورية وقيادات سياسية وحزبية شكّلت الطرفَ الآخر في التسوية السياسية التي أنتجت انتخابَ رئيس الجمهورية قبل عام والتي راحت بعيداً في التضامن معه أكثر من أصدقاء الحريري.
وعليه، ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل فقد عبّر معظم السفراء عن ارتياحهم الى قدرة اللبنانيين على تجاوز الأزمة بتصميمٍ شاملٍ رسمي وسياسي وحزبي ما أدّى الى استعادة المبادرة بسرعة قياسية، وهو ما قد تفسّره الخطواتُ المقبلة التي باتت رهناً بالإطمئنان أولاً الى رئيس الحكومة على أمل أن تكون الروايات الخاصة به مجرّدَ حربٍ نفسيّة كما يريدُها أعوانُه.