وأخيراً نجت الانتخابات النيابية من سيف التأجيل الذي كان يحوم حول استحقاقها، على إيقاع التوترات التي داهمت المنطقة، بعد المبارزة الكلامية الحادة بين واشنطن وموسكو، وما أثارته من مخاوف دولية وإقليمية من حصول اشتباك عالمي بسبب ما يتردد عن استخدام الجيش السوري السلاح الكيماوي في هجومه على قرى الغوطة.
يبدو أن تأجيل الانتخابات كان وارداً بالنسبة لبعض الأطراف السياسية اللبنانية، في حال تطوّرت الضربة الأميركية – الأوروبية لسوريا إلى معركة مباشرة بين الدول الغربية وروسيا وحلفائها في سوريا، بحجة الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تصيب لبنان، خاصة على المستوى الأمني، في حال كان حزب الله طرفاً في المعركة.
الاستحقاق الانتخابي تجاوز «قطوع» الضربة الغربية لسوريا، ولكنه ما زال أسير بعض الممارسات السلطوية المنحازة إلى مرشحي لوائح السلطة ورموزها، الأمر الذي يعرّض العملية الانتخابية برمتها إلى التشكيك والطعن، في حال استمرت مثل هذه الممارسات، التي تشوّه العملية الديموقراطية، وتكشف مدى تخوّف بعض المرشحين من الرسميين من بعض خصومهم في اللوائح المنافسة.
ما حصل في الطريق الجديدة، يوم الجمعة الماضي، ليس مبرراً، ولا يخدم سمعة الدولة اللبنانية وحرصها المزعوم على التمسك بالحياد بين المرشحين المتنافسين، بل يؤكد على الانحياز المتزايد لأجهزة السلطة إلى جانب مرشحيها، والضرب بعرض الحائط بأبسط قواعد التعامل بنزاهة وعدالة، وعلى قدم المساواة بين جميع المرشحين.
يُضاف إلى ذلك تزايد استخدام النفوذ، ومساحات الخدمات المتاحة للوزراء المرشحين لتقديمها إلى مؤيديهم، بما يُعتبر رشوة موصوفة، ولو غير مباشرة، لأن هذه الخدمات والتسهيلات تتم في الموسم الانتخابي، وعلى هامش المهرجانات واللقاءات الانتخابية، وعشية موعد يوم الاقتراع، الذي لا تفصلنا عنه سوى أيام معدودة.
وعلمتنا التجارب، في لبنان كما في دول أخرى، أن مثل هذه الأساليب لا تجدي نفعاً في التأثير على مزاج الناخبين وخياراتهم في التغيير، وتجديد الحياة السياسية، من خلال ضخ دم جديد إلى المؤسسات الدستورية والسياسية في البلد، بعدما «كفرت» الأكثرية الساحقة من اللبنانيين بالطبقة السياسية الحالية، وتورّطها في عمليات الفساد والإفساد، بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة اللبنانية، وعجزها الفادح في إيجاد الحلول المناسبة للأزمات التي يرزح تحت ضغطها اللبنانيون، وفي مقدمتها أزمات الكهرباء والنفايات والمياه، وتداعيات الركود الاقتصادي الحالي، وانعكاساته المدمرة على تزايد معدل البطالة بين الشباب، وارتفاع أرقام المديونية العامة.
لا يتوهمّن أحد أن الانتخابات ستؤدي إلى قلب الطاولة على الطبقة السياسية الحالية، ولكنها بالتأكيد ستساعد على شق طريق التغيير، وإفساح المجال أمام مسار سياسي جديد، يُتيح للأجيال الشابة فرص المشاركة في العمل الوطني، ومقاربة أكثر عملانية للقرار السياسي.
يبقى من الأهمية بمكان أن يُقبل الشباب على ممارسة حقهم الانتخابي في الاقتراع، وأن تواكبهم الأكثرية الصامتة، الغاضبة والمُحبَطة بسبب تردي الأوضاع الراهنة، ووصولها إلى هذا الدرك من التدهور.
الانكفاء وعدم التصويت سيزيد الأمور تعقيداً وانهياراً، لأنه سيؤدي إلى عودة هذه الطبقة الفاشلة إلى التحكّم بشؤون البلاد وبرقاب العباد!
إنه التحدّي الذي يُواجه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين في الرد على ممارسة السلطة المنحازة، وفسادها الموصوف!