Site icon IMLebanon

كيف تواجه نظاماً يحكم بـ «تفويض إلهي»؟

 

إيران تتقلب على صفيح ساخن منذ أكثر من أسبوع حتى الآن، وهي ليست الثورة الشعبية الأولى منذ نجاح انقلاب 1979، الذي قاده الخميني من مقره الفرنسي في نوفيل لو شاتو، وهي لن تكون الأخيرة، إن نجح نظام الملالي في قمعها وإخمادها، ذلك أن الأسباب، التي قامت من أجلها هذه الثورة ذات عمق موضوعي يصل إلى الجذور، التي قام نظام ولاية الفقيه على أساسها، ويقول أحد المحللين الإيرانيين إن هذه الثورة تختلف عن الثورة الخضراء، التي قامت عام 2009، بأن الأولى قامت لأسباب سياسية تتعلق بالانتخابات في الصراع بين من يسمون الإصلاحيين والمحافظين، أما هذه المرة فإن الناس خرجوا لأسباب معيشية كانت شرارتها عملية نصب قامت بها البنوك الإيرانية للاستيلاء على مدخرات البسطاء، ووقودها سياسة تصدير الثورة، التي صرفت مقدرات الشعب الإيراني في حروب عبثية للتوسع والهيمنة في المنطقة، فلم يفهم الإيرانيون كيف يمكن أن يتبجح حسن نصرالله في لبنان بأن راتبه ورواتب مقاتلي حزبه وتسليحهم يأتي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بينما يعانون هم من ضيق العيش.

حين نزل الخميني على سلم طائرة «آر فرانس» التي أقلته إلى طهران متكئاً على ذراع أحد أفراد طاقم الطائرة الفرنسيين، سارع معاونوه إلى التبشير ببدء انطلاق عملية فرض حاكمية القانون الإلهي في العالم عبر تصدير الثورة. ولم يضيع الخميني وقتاً في ذلك فبدأ بالأقربين، وهم شركاء الثورة على النظام الإمبراطوري، ففتك بهم جميعاً واحداً تلو الآخر، وحزباً وجماعة تلو الأخرى. أما العرب الذين هللوا لثورة الخميني على اعتبار أنها خلصتهم من الأطماع التوسعية لـ «شرطي الخليج» المتعجرف الشاه محمد رضا بهلوي، فقد فاجأهم أن الإمبراطور المعمم الجديد لا يقل عنه طمعاً في التوسع، وإن اختلفت التكتيكات.

وبقية القصة معروفة بدءاً بالحرب العراقية- الإيرانية، وانتهاء بنشر الميليشيات، التي تأتمر بأمر الولي الفقيه، تحارب بالنيابة عنه، وتنفق مما يعطيها من عائدات النفط الإيراني، ومن الأخماس، التي يدفعها أتباع مرجعيته، ومروراً بالإنفاق الهائل على تطوير البرنامج النووي، والقوة الصاروخية، التي تصوب على أعداء الثورة، وللمصادفة فإن هؤلاء الأعداء هم من المسلمين في الدول العربية المجاورة.

مشكلتنا مع النظام الحاكم في إيران، وهي في الواقع مشكلة العالم، ومشكلة الشعب الإيراني بالدرجة الأولى، أن مبدأ ولاية الفقيه يعني أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية هو نائب صاحب الزمان «الإمام الغائب»، بما يعني أنه يحكم بتفويض إلهي لا يستطيع أي رئيس جمهورية ولا رئيس وزراء ولا برلمان منتخب، سواء كان إصلاحياً أم محافظاً، أن يسأله عن «ثلث الثلاثة» كما يقول المثل المصري.

وهو النظام الذي يحدد مهمات قواته المسلحة بالنص الآتي من الدستور: «ولا تلتزم القوات المسلّحة مسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم».

إذاً نحن أمام نظام يحكم بـ «تفويض إلهي»، ولديه مهمات كونية، والسيطرة على كامل منطقة الشرق الأوسط هي الخطوة الأولى لتنفيذ هذه المهمات الإلهية، إذ اعتبر مستشار الرئيس الإيراني على يونسي أن كامل المنطقة خاضعة للنفوذ الإيراني حينما قال: «سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والغرب والصهيونية»، وهذا اليونسي هو الذي أعلن أن «إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي».

ولا تجد في ما يقدمه النظام عن نفسه للعالم أي مشروع حضاري إنساني أو نموذج تنموي باهر، عدا عن الشعارات العقائدية، التي تشعل عواطف البعض، كما أنه لا يقدم في الداخل الإيراني أي نموذج للمساواة تجاه الإثنيات الكثيرة، التي تزخرف المشهد الإيراني، والتي تتفوّق عددياً على الإثنية الفارسية، وبالطبع فإن الطوائف المخالفة لا تتمتع هي الأخرى بأي مقدار من التسامح سوى الطائفة اليهودية. ولذا، فإنني أجد من الغريب أن أسمع بين من يدافع عن حق إيران في أن يكون لها مشروعها الإقليمي، ومن يؤمن بأن إيران فعلاً تدافع عن الحق العربي في فلسطين، أو أنها جادة في مواجهة إسرائيل، وتجده يدافع أو يتحالف مع عملائها في المنطقة.

والنقاش، الذي دار أخيراً، حول هل من مصلحة دول المنطقة العربية أن يسقط النظام الإيراني نتيجة المواجهة، التي يخوضها مع شعبه، أم أن نكتفي بأن يكف شره عنا بسحب ميليشياته ووكلائه استجابة لمطالب الشارع الإيراني؟ هو نقاش لا يقدم ولا يؤخر كثيراً في ما ستولده الأحداث في الداخل الإيراني، لأنه من المستبعد من قراءة المشهد السياسي الإيراني قيام نظام سياسي علماني حقيقي بمشروع تنموي للداخل، وصديق للمحيط العربي، فالمعارضة لا زالت مشتتة ولا يبدو أن لديها مشروعاً واضحاً.

الأمر الواضح أمامنا أن الميليشيات التابعة للولي الفقيه لازالت تعمل في المنطقة العربية، وأن مواجهتها يجب أن تكون بالحزم، الذي أبدته الحكومة السعودية، ودول التحالف العربي في اليمن، وأن ندع للشعوب الإيرانية مسؤولية التعامل مع نظامهم، فالذين قدروا على إسقاط نظام الشاه بجبروته واستخباراته لن يعجزهم التعامل مع نظام قائم على الخرافة.

ولا بد من التأكيد أن أشقاءنا العرب في الأحواز هم تحت الاحتلال الإيراني، الذي بدأ عام 1925، وأن لهم الحق في دولتهم المستقلة، وأن لهم علينا حق النصرة والدعم.