في بلد لا تستطيع فيه إدارة رسمية شراء قلم رصاص من دون أن تمر بسلسلة طويلة من المنتفعين والسماسرة وفارضي الخوات باسم قوى الأمر الواقع، يطلب وزير التربية اللبناني الياس بوصعب من المانحين الدوليين 12 بليون دولار للتعامل مع ازمة اللاجئين السوريين.
لو كانت الحكومة اللبنانية زبوناً يتقدم للحصول على قرض من مصرف محلي، سيتعين على موظفي المصرف النظر في تاريخها المالي وصدقيتها وقدرتها على سداد القرض المطلوب وفوائده. مؤكد أن احتلال لبنان المركز 123 من اصل 168 دولة ادرجتهم المنظمة الدولية للشفافية في تقريرها الأخير، لن يشجع أي مصرف على تسهيل القرض. بيد أن هذه ستكون أصغر مشكلات الحكومة. فلبنان يعيش منذ عشرة أعوام في برزخ سياسي ينعكس انكماشاً سنوياً على اقتصاده الذي يحاول مصرف لبنان المركزي تحسين صورته بالقول إن نموه يبلغ الواحد في المئة، النسبة الكافية لإنقاذ ماء الوجه، فيما الوقائع تقول غير ذلك.
وإذا قرر موظف ما التدقيق في السجلات المالية للحكومة لوجد فوضى عارمة في قوائم الواردات والصادرات وفي الجبايات وتحصيل الضرائب والانفاق العام وسط غياب مزمن لموازنة الدولة. تكاد المؤسسات الرسمية ان تتوقف عن العمل بسبب تفشي الفساد والنهب العلني للموارد فيما تفرض اطراف الطوائف السياسية هيمنتها من دون خجل على كل مفاصل الإدارة.
فضيحة النفايات المستمرة منذ تموز (يوليو) الماضي تكفي لايضاح كيفية عمل النظام الاقتصادي – السياسي في لبنان. تراكم النفايات على نحو لم يشهده لبنان في تاريخه وانتشار الأمراض السارية والمعدية التي يجري التعتيم الاعلامي على خطورتها، لم يخرج من آليات تقاسم الغنيمة بين ممثلي الطوائف. وما زالت مهملات اللبنانيين ترتفع جبالاً جديدة في انتظار الاتفاق على توزيع الحصص بين الزعامات والشركات التابعة لها. أضف الى ذلك غياب الرقابة التشريعية المفترضة من مجلس نيابي لا يجتمع وهيئات قضائية واقعة تحت قبضة النفوذ السياسي وما يدخل في هذا الباب من وجوه التفكك والتحلل والانهيار.
على هذه الخلفية يقول رئيس الوزراء تمام سلام ان لبنان لم يعد يحتمل الأعباء التي يشكلها وجود اكثر من مليون لاجئ سوري. ويحدد وزير التربية بوصعب الرقم المطلوب لإنقاذ لبنان من هذا العبء بـ 12 بليون دولار – فقط لا غير- تُدفع على خمس سنوات. السؤال البديهي الذي سيطرحه اي دائن للبنان: ما هي الضمانات التي يملكها هذا البلد لإيصال المساعدات الى مستحقيها من اللاجئين … سينتظر الدائن طويلاً قبل ان يجيب اي مسؤول حكومي لبناني.
يكفي سماع شهادات اللاجئين عن إذلالهم اليومي في الدوائر الرسمية اللبنانية من دون استثناء، ويكفي ان يقارن بين الإذلال المقصود الذي بات عماد سياسة غير معلنة تمارسها الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين، وبين مستوى الفساد الخرافي في دوائر الدولة حتى يدرك حجم المغامرة التي ستُقدم عليها اية دولة مانحة تحركها خشيتها من استمرار تدفق اللاجئين اليها، بتوفير المساعدات المطلوبة من حكومة بيروت.
بكلمات ثانية، ومع التشديد على حقيقة الصعوبات التي ترافق وجود اللاجئين السوريين في لبنان، إلا أن الحس السليم يقول بأولوية إقفال ابواب الهدر والفساد اللبنانية قبل مد اليد للتسول. ذلك ان ما نعرضه على المانحين ليس سوى طريقة مضمونة لخسارة 12 بليون دولار.