IMLebanon

كيف يعوق الفساد النمو الإقتصادي؟

 

تبيّن الدراسات في جميع أنحاء العالم كيف يمكن للفساد ان يقوّض الاستثمار والتجارة ويخفض النمو الاقتصادي ويشوّه الحقائق المرتبطة بالانفاق الحكومي، ولكن الدارسات الاكثر أهمية وإزعاجاً هي التي تربط ربطاً مباشراً بين الفساد في بعض البلدان وزيادة مستويات الفقر وعدم المساواة في الدخل.

أظهرت هذه الدراسات زيادة عدم المساواة في الدخل في معظم البلدان التي تعاني ارتفاع معدلات الفساد، ويفيد البنك الدولي انّ متوسّط الدخل في البلدان التي يكون فيها مستوى الفساد عالياً يشكّل حوالى ثلث تلك البلدان ذات المستوى المنخفض من الفساد.

كذلك المستوى التعليمي هو ٢٥٪ أقل منه في الدول التي لا تعاني هذه المشكلة. بالاضافة الى ذلك، يؤدي الفساد في الصفقات والعقود والعمليات الاقتصادية الى احتكارات في الاقتصاد، الأمر الذي يعيق الى حدّ بعيد آليّات السوق ويمنع المنافسة.

وبالتالي، ترتفع أسعار الاستهلاك من دون تحسين جودة السلع والخدمات التي توفّرها قوى السوق وتشجّع ما يسمّى باقتصاد الظل، حيث الايرادات موجودة خارج الاقتصاد الرسمي ولا تخضع للضرائب او في حساب الناتج المحلي الإجمالي للبلد.

ومن الآثار السلبية لشركات الظل أنها عادة ما تدفع أجوراً لموظفيها أقلّ من الحد الادنى الذي عَيّنته الحكومة، ولا توفّر ظروف عمل مقبولة.
كذلك تظهر الدراسات انّ هناك علاقة مباشرة بين مستوى الفساد والقدرة التنافسية في بيئة الاعمال، الأمر الذي يحدّ من رغبة المستثمر الذي يسعى دوماً الى بيئة تجارية تنافسية ويحاول دوماً ان يتجنّب الاستثمار في البلدان التي يكون فيها الفساد عالياً.

وفي هذا الاطار أظهرت ورقة عمل لصندوق النقد الدولي انّ الفساد يؤثر سلباً في نوعية التعليم والرعاية الصحية في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة، ويزيد من تكلفة التعليم في البلدان التي تكون فيها الرشوى كبيرة، لا سيما انها تدخل في تفاصيل العملية التربوية لتشمل تعيين المعلمين وترقيتهم، كذلك تخفض من نوعية الرعاية الصحية.

في الخلاصة، إنّ العديد من البلدان ذات الاقتصادات الناشئة تعاني من الفساد وتباطؤ في التنمية الشاملة، ويعاني المجتمع من جرّاء عدم كفاية المخصصات من الموارد ووجود اقتصاد الظل وتدنّي نوعية التعليم والرعاية الصحية، كما يجعل المجتمعات أسوأ ويخفّض مستويات معيشة معظم سكانها.

أما آثاره المباشرة على الناس، فتتلخص بالتالي:

١ – رداءة الخدمات: في نظام الفساد لا وجود لجودة الخدمة، إذ انّ المطالبة بالجودة تحتاج الى دفع ثمنها، ويَتّضح ذلك في العديد من المجالات مثل البلدية والكهرباء وتوزيع أموال الإغاثة.

٢ – إنعدام العدالة: الفساد في النظام القضائي يؤدي الى إساءة العدالة، وبسبب الفساد قد تتأخر التحقيقات وتطوى الملفات وتعطي فرصاً أكبر للمجرمين في أن يتمادوا بجرمهم. لذا، فإنّ «تأخير العدالة يعني إنكارها».

٣ – فرص البطالة: إذ انّ انعدام المراقبة الفعلية للمؤسسات يعطي فرص التطاول على القوانين والشروط، ويسمح لها برشوة المراقبين واستخدام أعداد من الموظفين أقلّ بكثير من المطلوبين.

٤ – الصحة والنظافة: على سبيل المثال لا الحصر، للفساد أثر كبير على المشاكل الصحية بين الناس من المياه إلى الامدادات الغذائية ونوعية الخدمات، وحتى الدواء في المستشفيات قد يكون دون المستوى من الجودة. وفي لبنان بَدا الامر جلياً في مستوعبات القمح وبعض الادوية والمأكولات التي استفادت من الفساد وسوء الادارة والغش، وتَظلّلت بالمحسوبيات وساهمت في اعتلال صحة الانسان العادي.

٥ – التلوث: الذي يشمل المياه والهواء وتلوّث الاراضي وطرح النفايات الضارّة غير المعالجة في الانهر.

٦ – إنعدام الثقة بين الناس وحكامهم، إذ انّ ايّ إثبات لتورط هؤلاء الحكام في قضايا الفساد يجعل الناس يفقدون الثقة فيما بينهم ومع المسؤولين في دولهم.
٧ – إنخفاض الاستثمارات الاجنبية، إذ إنّ أيّ معاملة قد تكون مُكلفة نظراً لشدة الفساد في الاجهزة الحكومية.

هذه أمور تجعل من رصد الفساد ومعالجته مسؤولية وطنية تحتّم على الجميع، من مسؤولين وموظفين وعامّة الشعب، السعي الى معالجتها بمختلف الوسائل القانونية، وقد يكون أهمها تحديث القوانين ومعاقبة المرتشين وتجريدهم من صلاحياتهم ورفع الغطاء السياسي عنهم. فلا يمكن لفاسد أن يتمادى بعمله إن لم يكن لديه مظلة سياسية تغطّي فعلته.

وتعمل مجموعة البنك الدولي على الصعيد القطري والاقليمي والعالمي لبناء قدرة مؤسسات تتسِم بالشفافية والمساءلة، ووضع البرامج الخاصة بمكافحة الفساد وتنفيذها، ودعم النزاهة في مؤسسات القطاع العام. وقد جاءت توصياتهم كالتالي:

١ – بناء قدرة العملاء على تنفيذ التزاماتهم لتعزيز الشفافية والحدّ من الفساد.

٢ – تعزيز متطلبات مكافحة غسل الأموال.

٣ – محاربة الفساد في المشاريع التي يموّلها البنك الدولي باعتماد سياسات استباقية ومكافحة الفساد على الصعيدين الوطني والدولي، وكذلك تقليل مخاطر الفساد وتمكين المراقبة الفعّالة في مختلف المشاريع.

كلها أمور وجب إلقاء الضوء عليها لتحديد مكامن الخلل ومحاولة المعالجة بالطرق الناجحة، لا سيما انها آفة تعيق النمو والتقدم وتخلّ بالتوازن وتفقد الثقة بالسلطات المراقبة، الأمر الذي يزيد من الفوضى ويعزّز إمكانية حدوث هكذا أعمال.

وهذه الأمور يجب على الدولة اللبنانية الأخذ بها على محمل الجد، لا سيما أنها الآفة الأكثر ضرراً لاقتصادنا وأكثرها خطراً على نموه وتقدّمه.