Site icon IMLebanon

كيف تؤثّر شخصية رئيس الجمهورية في الإقتصاد؟

مضى أكثر من 580 يوماً على الشغور الرئاسي، والذي بدأ يُلقي بتداعياته السلبية على الاقتصاد اللبناني. وإذا كان الطائف قد أناط بالحكومة اللبنانية مهمة وضع السياسات الاقتصادية، إلّا أنّ السؤال يبقى عن مدى مساهمة رئيس الجمهورية في تعزيز الاقتصاد ونموه.

في الدول الديموقراطية المُتطورة، يتمّ اختيار رئيس للجمهورية على أساس برنامجه الإنتخابي. وفي العديد من الحالات، يكون الشق الاقتصادي والإجتماعي العامل الفاصل في هذا الإختيار لِما لهذا الشق من تأثير في حياة المواطن اليومية.

وما يُميز هذه الدول الديموقراطية بالدرجة الأولى الثبات السياسي والأمني والذي يدفع بالعامل الإقتصادي والإجتماعي إلى الواجهة ومن ثمّ العوامل الأخرى. لكن في لبنان وفي ظل عدم الثبات السياسي والأمني وفي ظل الإنقسامات داخل النسيج اللبناني، تبقى المعايير الإنتمائية والسياسية للمرشح الرئاسي العنصر الطاغي في اختيار رئيس الجمهورية.

وما يؤكد ذلك تدويل هذا الإستحقاق الذي من المُفترض أن يكون لبنانياً بحتاً على أساس أنّ رئيس الجمهورية وبحسب الدستور «هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور» (المادة 49).

البعد البُنيوي لصلاحيات الرئيس

يتجاهل العديد من المسؤولين والمواطنين أهمية البرنامج الإقتصادي للمرشح الرئاسي. وقد يطرح البعض، وهذا حق، السؤال عن صلاحيات الرئيس في ظل دستور الطائف الذي حرمه من العديد من الصلاحيات التي كان يتمتع بها سابقاً والتي كانت ستسمح له بتنفيذ برنامجه بالكامل لو استمرّت؟

فرئيس الجمهورية خَسِرَ من صلاحيته على السلطة التشريعية والتنفيدية – القنوات الوحيدة لتنفيذ برنامجه الرئاسي. وبحسب المادة 18 من دستور ما قبل الطائف، كان رئيس الجمهورية يتمتع بحق اقتراح القوانين، لكنّ الطائف سحب منه هذه الصلاحية وأناطها بمجلس الوزراء.

كما تمّ سحب صلاحيات رئيس الجمهورية بحلّ المجلس النيابي، دعوة مجلس النواب إلى عقود إستثنائية، كما والطابع النافذ للقوانين التي يُقرّها مجلس النواب.

وعلى صعيد السلطة التنفيذية، فقد رئيس الجمهورية العديد من صلاحياته لحساب مجلس الوزراء والذي أصبح المرور به إلزامياً في الإتفاقيات الدولية، ومراسيم مقررات مجلس الوزراء والعلاقة مع مجلس النواب والتعيينات الإدارية وغيرها.

وبذلك نرى أنّ رئيس الجمهورية فقد صلاحياته الأساسية لصالح مجلس الوزراء، وبالتالي لكي يستطيع رئيس الجمهورية تنفيذ برنامجه الاقتصادي، يتوجّب عليه الحصول على موافقة مجلس الوزراء خصوصاً رئيس مجلس الوزراء.

ممّا تقدم، قد يظن القارئ أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية غير أساسي في تنفيذ السياسة الاقتصادية في لبنان. لكنّ الأحداث التي شهدها لبنان منذ مطلع أيلول الماضي والتعطيل الحكومي الناتج عن الخلافات على توزيع صلاحيات رئيس الجمهورية، أظهرت إلى العلن الدور التشغيلي والمؤثر والأساسي لرئيس الجمهورية على عمل الحكومة اللبنانية.

هذا الدور أعطى بُعداً بنيوياً لصلاحيات رئيس الجمهورية في مؤسسات الدولة ونظامها التشغيلي، ما جعلَ من رئيس الجمهورية لاعباً أساسياً في العمل الحكومي، خصوصاً في ظل الانقسامات التي تنخر الجسد اللبناني والتي تجعل من الأفرقاء السياسيين أطرافاً في الملفات، كلٌ في جهة (بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء). وبالتالي، وفي غياب رئيس للجمهورية، لا يُمكن إيجاد حَكَمْ في هذه العملية.

المساهمة الإقتصادية

إنّ الدور الاقتصادي الأول الذي يُمكن لرئيس الجمهورية تأديته في ظل دستور الطائف هو دور المؤثر والمفاوض والمُسهّل للسياسات الاقتصادية. فرئيس الجمهورية الذي يتمتّع بشخصية دبلوماسية وبكاريزما تسمح له بالتعاطي مع كل الأفرقاء بغضّ النظر عن الإنقسامات السياسية، يُمكنه فرض سياسة إقتصادية توافقية على كافة الأطراف، خصوصاً إذا كانت طروحاته مُميزة (outstanding) بالنسبة لِما نشهده حالياً من طروحات تظلّ في خانة «الترقيع» أكثر منها في خانة «البناء الصلب».

أضف إلى ذلك، فإنّ العلاقات الدولية الشخصية لرئيس الجمهورية مع الدول الإقليمية والغربية، تسمح له بإعطاء دفع كبير للعلاقات الإقتصادية، وخصوصاً على صعيد الإستثمارات التي هي أكثر ما يحتاجه لبنان.

فما أكثر حاجتنا اليوم إلى رئيس له علاقات مُميزة مع الولايات المُتحدة الأميركية ومع روسيا أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، وعلاقات ودية مع أوروبا لِما لها من تأثير إيجابي على التطور الاجتماعي والإقتصادي في لبنان، وعلاقات أخوية مع الدول الخليجية لإعادة استثماراتها إلى لبنان وعودة السيّاح الخليجيين إلى بلدهم الثاني لبنان، وعلاقات وطيدة مع إيران المارد الاقتصادي الواعد، وعلاقات حسن جوار مع سوريا وتركيا وزيادة التعاون التجاري معهما.

نعم هذا الدور هو الدور المطلوب اليوم من رئيس الجمهورية اللبنانية، والذي يُمكن اعتباره عاملاً أساسياً في الإختيار بين المرشحين بدلاً من انتظار الإشارات الدولية والمعطيات الإقليمية لحسم أمرنا.

البرنامج الاقتصادي وإلّا

إنّ أهمية البرنامج الإقتصادي لرئيس الجمهورية يجب أن تكون من أهم المعايير في اختيار المُرشح الرئاسي، لأنّ غياب البرنامج الاقتصادي سيكون له تداعيات وخيمة لن تُحمد عواقبها.

في التفاصيل، فإنّ غياب هذا الشق الاقتصادي من برنامج الرئيس، يجعل السياسة الاقتصادية محصورة بالحكومة. وفي غياب توافق بين أطراف الحكومة اللبنانية (حتى ولو كانت توافقية)، فإنه من شبه المُستحيل أن تكون خطة الحكومة خطة كاملة مُتكاملة لأنه سيتمّ تقسيمها على قياس المناطق والطوائف وتفقد بذلك طابعها الشمولي. وإذا ما أراد رئيس الجمهورية التدخل كحكم في هذه الخطة، فإنّ عدم وضوح الصورة لديه – بحكم أنه ليس صاحب الخطة – يُفقده فعاليّته في إقناع الأطراف السياسية في لبنان.

وهذا يعني، ومع تفشّي الفساد والتراجع الاقتصادي، أنّ لبنان سيشهد ثورة إجتماعية كما حصل في صيف العام 2015 لكن بزخم أكبر بحكم أنّ التراجع الاقتصادي سيضرب اللبنانيين بشكل أوسع، وسيكون له تداعيات مالية كارثية على جيبة المواطن كما وتداعيات على الحياة السياسية اللبنانية.

في الختام، لا يسعنا القول إلّا أنه على الطبقة السياسية التي هي من النخبة أن تعمد إلى لبننة الإستحقاق الرئاسي رأفة بالإقتصاد اللبناني ورأفة بالعباد.