Site icon IMLebanon

كيف يواكب جنبلاط تطورات المشهد السوري؟

يدرك النائب وليد جنبلاط ان موازين القوى في سوريا والمنطقة لم تعد تسمح باسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، لكنه مقتنع في الوقت ذاته بان التسوية الحقيقية والنهائية لا تزال بعيدة. بين حدّي هذين السقفين، يتموضع جنبلاط في السياسة منذ فترة، فلا هو يذهب في واقعيته الى حد طرق ابواب دمشق مجددا ولا هو يبلغ في عدائه للنظام حد التحريض اليومي على اسقاطه.

ويخشى جنبلاط من مفاعيل الفرز الذي تتعرض له الاراضي السورية، سواء على مستوى إعادة نسج الواقع الديموغرافي او على مستوى توزع النفوذ الاقليمي والدولي. بالنسبة اليه، هذا الفرز قد يمهد للتقسيم لاحقا.

وعليه، أكثر ما يهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في هذه المرحلة تحييد الاستقرار الداخلي النسبي عن عواصف الاقليم واقفال النوافذ التي قد تتسرب منها الرياح، وهذا ما يفسر حرصه المستمر على تحصين العلاقة مع حزب الله واخضاعها الى صيانة دورية، من حين الى آخر.

وعلى قاعدة تفهم ظروف الحزب، هناك من يقول ان جنبلاط تعمد منذ مدة التخفيف نسبيا من حدة لهجته ضد النظام السوري – إلا في بعض المناسبات – وذلك مراعاة للحزب ومسايرة لمقتضيات التفاهم معه.

لكن البراغماتية الداخلية لرئيس اللقاء الديموقراطي تقف عند هذه الحدود ولا تمتد الى ابعد من ذلك، ومن يعتقد انها يمكن ان تتطور في اتجاه الانفتاح على القيادة السورية قريبا هو مخطئ. هذه المرة تختلف طبيعة القطيعة بين جنبلاط ودمشق عن كل تجارب «الغرام والانتقام» التي كانت تنتهي بمصالحة او ربط نزاع، وبالتالي يؤكد العارفون انه ليس هناك في حسابات جنبلاط حتى إشعار آخر اي استعداد لانعطافة جديدة نحو القيادة السورية.

صحيح، ان العديد من العواصم الدولية والاقليمية المعادية للاسد لم تعد تضع مطلب رحيله في اولوياتها، وصحيح ان مسار المعارك على الجبهات يعطي الارجحية الميدانية للنظام وحلفائه، إلا ان هذه الوقائع لا تكفي لدفع الزعيم الدرزي الى الانتقال من ضفة الى أخرى، خصوصا انه كان قد ذهب بعيدا جدا في خصومته للقيادة السورية، مع بداية الازمة.

ويرى المقربون من جنبلاط ان التسوية في سوريا ليست قريبة حتى يكون رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مضطرا على سبيل المثال، الى مراجعة خياراته والتكيف مع متطلبات الحل السياسي، هذا إذا كان اساسا في مثل هذا الوارد، لا سيما ان بعض المحيطين بالرجل يلفتون الانتباه الى انه سبق له ان قال ان «زيارتي الى سوريا ستعني انني انتهيت.»

وانطلاقا من الواقع السائد، يعتبر المطلعون على اتجاهات المختارة، ان مقومات انفتاح جنبلاط على دمشق غير متوافرة موضوعيا، في الظروف الحالية، مشيرين الى ان موقفه الحاد من النظام لم يتغير وخلافه معه لا يزال عميقا، إلا ان هؤلاء يؤكدون في الوقت ذاته ان خيار جنبلاط يندرج في اطار القناعة المبدئية التي يفصل بينها وبين مقتضيات الاستقرار الداخلي.

وفي هذا الاطار، تعتبر الاوساط المقربة من جنبلاط ان قناعاته السياسية ملك له وحق له، والمهم انها لا تؤثر على الاستقرار او على صلاته مع حلفاء دمشق الاساسيين، لافتة الانتباه الى ان اولوية رئيس اللقاء الديموقراطي هي للداخل اللبناني ولا علاقة له بالداخل السوري.

هل يمكن لتيمور جنبلاط ان يفتح الابواب التي أغلقها والده مع دمشق؟

تتجنب تلك الاوساط اي حسم مسبق لفرضيات مستقبلية، ملمحة الى ان كل الاحتمالات تبقى واردة في السياسة، أما في ما خص وليد جنبلاط تحديدا، فهو بالتأكيد ليس بصدد الانفتاح على النظام السوري.

وتشدد الاوساط ذاتها على ان اللعبة في سوريا كبيرة، بل هي لعبة أمم، ومصلحة اللبنانيين تستوجب ان يحموا وطنهم من تداعياتها، وهذا ما يشكل هاجسا لدى رئيس «التقدمي» الذي يسعى في كل المحطات والاستحقاقات الى المساهمة في تحصين البيت الداخلي عبر اتخاذ مواقف جريئة قد لا تكون شعبية في بيئته، غير انها تخدم المصلحة العليا.

اما التحية التي وجهها جنبلاط الى شهداء حزب الله في جرود عرسال فهي تعبر- وفق المحيطين به – عن تقديره للتضحيات التي بُذلت في مواجهة ارهاب كان جاثما فوق ارض لبنانية، مشيرين الى انه سبق لجنبلاط ان قدم التعازي للوزير حسين الحاج حسن باستشهاد ابن شقيقه في سوريا، الامر الذي يعكس برأيهم تقدير جنبلاط لمبدأ الشهادة، خصوصا ان بيته وحزبه قدما شهداء ايضا وهو يعرف قيمة هذا النوع من البذل.

ويؤكد العارفون بمسار التواصل بين «التقدمي» وحزب الله ان علاقتهما هي جيدة، وهناك تعاون وتفاهم في العديد من الملفات، كما حصل بالنسبة قانون الانتخاب الذي شكل مساحة للتقارب، بعدما تفهمت حارة حريك هواجس المختارة، ما اراح جنبلاط الذي أشاد بكيفية مقاربة حزب الله لهذا الملف.