في كل العهود الرئاسية، منذ الاستقلال في العام 1943، جرت محاولات اصلاحية، في محاربة الفساد، ووقف الهدر والصفقات، كما في تفعيل هيئات الرقابة، وهذا المشهد اعتاد عليه اللبنانيون الذين واكبوا المرحلة الاستقلالية الى ما بعدها في ايام «الشهابية» ثم ما بعدها، الى ان اندلعت الحرب، وجاء اتفاق الطائف، الذي ارسى السلم الاهلي، واعاد بناء المؤسسات، وكان ملف طائرات «البوما» هو الذي فتح في عهد الرئىس الياس الهراوي، لكشف العمولات التي حصلت في هذه الصفقة التي تمت في عهد الرئيس امين الجميل، وشكلت لجنة نيابية برئاسة النائب ايلي الفرزلي للتحقيق بالصفقة، التي لم تظهر فيها الحقيقة الكاملة.
وكل عهد رئاسي او حكومة، تجري فيهما فتح ملفات من سبقهما، وتبرز «الكيدية السياسية» في بعضها، حيث تطوى صفحة مكافحة الفساد، وتشل اعمال هيئات الرقابة، كما القضاء، وقد حصلت عمليات تطهير واقالة موظفين في الفئة الاولى وطرد بعضهم، ولكن كل ذلك يبقى علاجاً لا يجتث الفساد، وفق ما يؤكد مرجع قضائي سابق، لان للفساد عنواناً واحداً، السياسة التي تحميه، واذا لم يتم اقصاء السياسية عن القضاء والادارة، فإن الفساد باق في لبنان، والدليل على ذلك ان كل ما جرى في فترات سابقة من محاولات لمكافحة الفساد، كانت مرحلية وموقتة.
فتحويل لبنان الى دولة خالية من الفساد، وهو الذي يحتل المرتبة 143 من بين 184 دولة، في الفساد وفق تقارير دولية فيه الكثير من الصعوبة وليس الاستحالة يقول المرجع القضائي الذي يؤكد على ان للقضاء دوراً اساسياً في ضرب الفساد، عندما يتحرر من الوصاية السياسية، والمدخل الى ذلك، هو ان ينبذ الجسم القضائي منه، كل قاض ليس من «الايادي البيضاء» وتلوثت بالفساد، وهذا ما حصل في دول اشتهرت بالفاسدين ومافياتهم، وحصلت في ايطاليا ثورة قضائىة ضد مافيات الفساد، المتمثلين بتجار مخدرات ومزوري عملات ومروجيها، ومهربيها الخ…
ويبدو ان لبنان لم يعد قادرا على الهروب من اجراء اصلاحات مالية واقتصادية وادارية، وان يخوض معركة الفساد، وهذا ما ابلغه مسؤولون في البنك الدولي والبنك الاوروبي والدول المانحة في «مؤتمر سيدر» من ان الوضع المالي متجه الى الكارثة، اذا لم تتخذ اجراءات غير شعبوية، بدأ رئىس الحكومة سعد الحريري الحديث عنها، اذ تشير مصادر وزارية الى ان تخفيض النفقات ليس منه مهربا، والا فلا دفع للرواتب للموظفين والمتقاعدين في القطاع العام الذي يعاني من انتفاخ في عدد الموظفين الذين يقدرون بـ 300 الف بما فيهم الاسلاك العسكرية والامنية.
فلم يعد بإمكان الحكومة اصدار موازنات فيها نفقات غير مجدية، وفي العديد من الوزارات، يتم الصرف فيها لجمعيات وهمية مكتشفة منذ عقود وهي تقبض من وزارة الشؤون الاجتماعية، ومعها مدارس مجانية او نصف مجانية غير موجودة، اضافة الى ما يصرف على مهرجانات واحتفالات تقيمها زوجات نواب ووزراء، وغيرها من بنود الاتفاق الذي يوصف بالهدر.
فالتقشف بدأت تمارسه الحكومة من خلال وزارة المال، التي بدأت تضبط الانفاق، عبر قرارات لوزير المال علي حسن خليل، الذي اوقف كل نفقة خارج الرواتب والاجور، كما اعلن انه سيقدم مشروع قانون بشأن الاعفاءات الجمركية، وهذا توجه ايجابي، تقول المصادر التي تشير الى ان «عصر النفقات» بدأ كي لا تضطر الحكومة الى المس بالرواتب وتخفيض نسبتها، اي اعادة النظر بموضوع سلسلة الرتب والرواتب.
ورئىس الجمهورية العماد ميشال عون المتابع الدقيق لكل الملفات، يضع في اولويات اهتمامه محاربة الفساد مع موضوعين اساسيين هما تنشيط الاقتصاد ورفع النمو فيه، وعودة النازحين السوريين، اذ ترى المصادر ان الرئيس عون ينظر الى محاربة الفساد، من ضمن المقاومة الاقتصادية التي طرحها.