Site icon IMLebanon

كيف يُقيِّم «8 آذار» حسابات الاستحقاق دولياً وإقليمياً؟

خارطة «الثنائي الشيعي» للتفاهمات: «على القطعة» مع التيار العوني والأولوية «للحلفاء»!

كيف يُقيِّم «8 آذار» حسابات الاستحقاق دولياً وإقليمياً؟

لصيقون بـ«حزب الله»: حديث عن صعوبة تأليف حكومة ما بعد الانتخابات

بدأت الأطراف الداخلية ذات الوزن السياسي تتعامل مع الانتخابات النيابية على أنها حاصلة بالتأكيد في موعدها المُعلن في السادس من أيار المقبل، بعدما عكس المناخ المأزوم في الأسابيع الماضية والإرباك في تنفيذ دقائق القانون احتمالات الذهاب نحو تأجيل ما.

اللاعبون على اختلاف مشاربهم، انطلقوا من حتمية أنه آن أوان شدّ عصب الناخبين وإطلاق الماكينات الانتخابية والبحث بعمق في التحالفات، لا سيما وأن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قد وُقّع، وسرت المهل لجهة فتح باب الترشيح وإقفاله والانتظام في اللوائح، وإنْ كان ذلك لا يلغي إمكانية التعطيل. والتعطيل أو التأجيل، في هذه الحالة، لن يكون نتاج ارتفاع السقوف المرتبطة بالضجيج السياسي والتأجيج الكلامي الذي قد يُفسّر على أنه تعبير مكتوم عن رغبة في التأجيل أو أحد أدوات الشغل الانتخابي. فعامل الضجيج والتأجيج ليس معياراً، إذ لا تتوفر فيه قوّة الفعل التعطيلي خصوصاً بعدما حسم «الثنائي الشيعي» أمره في رفض أي تعديل للقانون يفتح باب الإطاحة بالانتخابات، وحسم تحالفه على لوائح موحدة وحدد منطلقات معركته وأهدافها بحدّيها الأدنى والأقصى. العامل الداخلي يصبح له قوة تعطيلية إذا اقترن بعامل خارجي.

فالوقائع الخارجية هي عنصر أساسي في مسألة إجراء الانتخابات أو تأجيلها، وهذا ما يتم  رصده راهناً. ما يريح المتحمسين للانتخابات أن الخطاب الغربي عموماً يدفع في اتجاه اتمام الاستحقاق كمؤشر ثقة بلبنان لاحترامه الأسس الديمقراطية وتداول السلطة، حتى أن قوى 8 آذار تنطلق في حساباتها من أن الأميركيين، الذين يعملون على محاصرة «حزب الله» وإضعافه، يتمسكون بمبدأ إجراء الانتخابات في موعدها. ما تخشى منه تلك القوى أن يؤول اعتراض المملكة العربية السعودية على القانون «غير المتوازن» والنتائج المتوقعة جرائه، في ظل الاشتباك السعودي – الإيراني، إلى تعديل في الاتجاه الأميركي المعتاد، خصوصاً في ظل اقتناع كثير من السياسيين المناهضين لمحور إيران أن حلفاء هذا المحور سيكون بإمكانهم، وفقاً للقانون النافذ، حصد الأكثرية النيابية بما يجعلهم مهيمنين على البلاد من بوابة الدستور والقانون، وليس من بوابة سلاح «حزب الله» وفائض القوة الذي يتمتّع به.

والعوامل الخارجية هذه تحمل في طياتها إمكانية حصول حدث من خارج سياق متطلبات اليوميات الانتخابية، بما هو حدث مفاجئ ذات طبيعية أمنية يترك ارتداداته على الساحة اللبنانية، ويخلق مناخات تدفع في اتجاه التأجيل. كما أن هذه العوامل تتضمن إمكانية حصول حرب إسرائيلية على لبنان.

ومن الصعب على أي جهة أن تحسم، قبل ثلاثة أشهر من الاستحقاق النيابي، مآل التطورات على الساحة الإقليمية وسط التغيّرات المُتسارعه فيها، وتبلور الخيار الأميركي في مواجهة خصومه في المنطقة، والذي يتجلى إلى حد بعيد في الساحة السورية، وإن كان من غير الواضح بعد اتجاهات تلك المواجهة ونتائجها. وبالتالي من الصعب لدى أي جهة الجزم بشكل قاطع بأن الانتخابات حاصلة في أيار.

الكل أطلق ماكيناته الانتخابية على قاعدة «اعمل لدنياك وكأنك تعيش أبداً»، الاستحقاق ساهم أكثر في تظهير التباينات بشكل فج، فالجمر الذي كان كامناً، منذ التسوية الرئاسية، تحت الرماد بين الرئاستين الأولى والثانية ظهر بقوة وحرق مساحات التهدئة المصطنعة، وامتدت نيرانه إلى الحليف الاستراتيجي. نيران الاثنين لسعت «حزب الله». لكن كما البعد الاستراتيجي مهم وأساسي لـ«الحزب» في حلفه مع رئيس الجمهورية، وتباعاً مع «التيار الوطني الحر»، فإن متانة «البيت الشيعي الداخلي» وحماية مصالح الطائفة تكتسب كبير أهمية لدى «الحزب» ومشروع الولي الفقيه. وليست معادلة رئيس «حركة أمل» القائمة على «أن مَن يريد أن يتكلم معي بشأن التحالف عليه أن يذهب أولاً إلى «حزب الله»، ومن يريد أن يتكلم مع «حزب الله» عليه أولاً أن يتكلم معي» سوى تعبير عن ارتياح بري لنتائج زيارته إلى طهران، وربما ما حمله معه من ضمانات.

«الثنائي الشيعي» هو الأكثر تمكناً في العملية الانتخابية والأكثر إمساكاً بقواعده ومناطقه وبيئته، غير أنه في واقع الأمر يراقب بدقة كيف ستتعامل الرياض مع الاستحقاق إذا أضحى واقعاً لا مفرّ منه، ذلك أن التحدّي أمام «حزب الله» يكمن في تحديد سبل خوض غمار المعركة بما يفضي إلى تحويل الحسابات النظرية إلى واقع فعلي في النتائج لجهة الأحجام والتحالفات.

ما يبدو عليه المشهد أن «الثنائي الشيعي» يُقارب هذا الاستحقاق انطلاقاً من هدف أساسي له يُشكّل هدف الحد الأدنى، وهو حصوله مع حلفائه الخالصين من أحزاب وشخصيات تنتمي إلى المحور السوري – الإيراني على الثلث المعطل في البرلمان. هذا الهدف يفترض أنه بات محققاً ومضموناً له بفعل تركيبة القانون. لكنه في واقع الحال هدف يكشف حجم المخاوف التي تعتري «الثنائي» كما المِحوَر. والمخاوف هنا مردها إلى الاقتناع بأن ثمة حلفاً وثيقاً قائماً بين «التيار العوني» و«تيار المستقبل» من جهة، وأن هناك من جهة ثانية، اختلافاً واضحاً في الرؤى السياسية مع «التيار الوطني» في بعض القضايا بالرغم من التفاهم القائم بينهما، على غرار الموقف الذي أعلنه، على سجيته، وزير الخارجية جبران باسيل حيال إسرائيل. صحيح أن موقف باسيل يتطابق مع رؤية عربية جسّدتها قمّة بيروت حيال الصراع العربي – الإسرائيلي التي تعترف بالأرض مقابل السلام، لكن هذا الموقف بعيد كل البعد عن المسوغات التي يستخدمها «محور الممانعة» في حربه ضد عرب الاعتدال، حتى أن كلام باسيل عن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين ترك انزعاجاً لم يكن في بال رئيس «التيار العوني» الطامح إلى الرئاسة.

ما يَرشحْ من «الثنائي الشيعي» أن التحالف الأساسي هو مع الحلفاء الخالصين، وسيكون التحالف مع العونيين على «القطعة»، وأن التحالف بين «التيار العوني» و«تيار المستقبل» سيشهده الكثير من الدوائر. أما رسم الخريطة السياسية فهو رهن نتائج الانتخابات وطبيعة تكوّن الأكثرية التي من شأنها أن تحدّد العلاقة مع الآخرين، سواء مع الحريري أو مع الرئيس نجيب ميقاتي أو مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وبالطبع مع القوى المسيحية، وفي مقدمها التيار العوني.

يرغب من هم لصيقون بـ«حزب الله» بالقول إن الحزب لا يريد لبنان «يافطة إيرانية مكشوفة» وهو يدرك مخاطر ذلك، وكأنهم يريدون أن يقولوا أن الحزب لا يطمح إلى تحقيق الأكثرية!

على أن اللافت في كلام هؤلاء هو بدء الحديث عن صعوبة تأليف حكومة ما بعد الانتخابات!