IMLebanon

كيف ينظر الشارعان السُنّي والشيعي إلى الحوار؟

تنطلق اليوم الجلسة الثالثة من الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله». هذا الحوار الذي نجَح في تحقيق 3 أمور: الأوّل، الصدمة الإيجابية الداخلية والخارجية بأنّ اللبنانيين قادرون على تنظيم خلافاتهم السياسية. الثاني، يتّصل بالتضامن الوطني بعد تفجير جبل محسن، الأمر الذي أقفلَ أيّ ثغرةٍ في المشهد السياسي. أمّا الثالث فيتعلّق بإنجاز سجن رومية… ولا شكّ في أنّ هذه الإنجازات ستمدّ المتحاورين بمزيد من الاندفاع، من أجل تحقيق خطوات إضافية تُسهِم في ترسيخ الخطة الأمنية لتشملَ مناطقَ أخرى. ولكنّ السؤال، ما نظرة الناس لهذا الحوار؟

يومَ رأت زينب على بُعد أمتار حاجز محبَة يُوزّع الحلويات على المارّة في محيط طريق الجديدة، «حلوَينة رجعة الشيخ السعد»، بدَّلت مسارَها، دخلت عكسَ السير، اجتازت الإشارة الحمراء، عملَت المستحيل لكي لا تُشارك الشبّان فرحتَهم، معتبرةً «الحِلو تاعُن مُرّ».

أمّا محمّد فكان حتى فترة طويلة يَطيب له سماع الأغاني المخصّصة للشهيد رفيق الحريري متنقّلاً في سيارته بين الأحياء المؤدّية إلى الضاحية الجنوبية… وليلاً يتعمَّد رَكنَها أمام واجهة محلّ جاره المحسوب على «حزب الله»، ويُعلّق علم تيار «المستقبل» على زجاجه الخلفي، «بسيطة خَلّي يتصبَّح بالأزرق».

«هِديِت»…

لكن ماذا بعد الحوار والجلسة الثالثة بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»؟ سرعان ما يجيب محمد «هِديِت الأحوال»، أمّا زينب فتغرَق في صمتها مكمّلةً سيرَها في اتّجاه منطقة بربور.

على أوّل شارع بربور تستقبلك ملّالة للجيش اللبناني، يعتليها جندي بكامل جهوزيته وعتادِه، وحدَه ساعاتي، يجلس أمام محَله، تلقّفَ دهشتَنا، فحاولَ التفسير لنا بعفوية متناهية: «الجامع على الطريق العام سنّي، هونيك خَلفو طريق لجديدة، من عند الملّالة ولعِنّا شيعة، يعني خَط تماس فِهمكُن كفاية».

سُرعان ما ارتسَمت الابتسامة على وجه الساعاتي عندما سألناه، ماذا عن الحوار؟ فأجاب: «عن أيّ حوار والتدابيرُ الأمنية في أعلى جهوزيتها بين الأهالي، والملالة لا تفارق المنطقة على مدار السَنة!».

وبعد طول نقاش، كشفَ ذاك الرجل الخمسيني عن إيمانه، بأن لا مصلحة للسياسيّين بأن يتّفق الأهالي، «حتى لو اتّفقنا لن يكونوا مسرورين أو مطمئنّي البال، لأنّ ذلك يحدّ من زعامتهم وهالتِهم في المستقبل ولن يعود لهم أمكنة أو دور».

بين الداعم للحوار والمعترض عليه، فئة كبيرة من الأهالي فضّلَت الاحتفاظ برأيها، أمّا مَن خانَته شفَتاه وغلبته عاطفته، فهمسَ: «نحنا موعودين بالنصر شو بدنا أكتر».

في المقابل كان لأحد الأساتذة الثانويين الذين التقيناهم رأيٌ مغاير، فيقول: «لا شكّ في أنّنا نُنشئ الأجيال على أسلوب الحوار ولكن ما نختبره اليوم مع زعمائنا ليس إلّا تأجيل للأزمة بحدّ ذاتها، وتمرير للوقت، والدليل أنّ النقاش لا يتطرّق إلّا لقضايا جانبية، والأسوأ من ذلك نَعلم يقيناً أنّ القرار الأساسي يأتي من الخارج لكلا الطرفين».

هدوءٌ ملحوظ عرَفته المنطقة منذ فترة، عزَّزه التزامُ السكّان عدمَ رفعِ الأعلام الحزبية وصوَر الزعماء قدرَ المستطاع، وفقَ ما أملاه الجيش عليهم. تُعلّق الحجّة رباح «ما في ضربة كفّ الحمدلله، خلّي الزعماء ملهيّين وشبابنا مضبوبين».

لحِوار يتخطّى القشور

عدنا أدراجَنا، وتوجّهنا في اتّجاه الطريق الجديدة، حيث «فان» مركون حوَّله صاحبُه إلى استراحة تستقبل محبّي «الأرغيلة»، تعلوه صورة كبيرة للشيخ سعد، خلفَها بورة، على أطرافها زُرعت أعلام لتيار «المستقبل». ما إنْ اقتربنا حتى إلتفّ شباب المنطقة، منهم مَن رفضَ البَوح باسمِه لكي يعبّر على راحته، وانسحبَ لحظة التقاطِنا الصوَر، وآخرون غلبَتهم صراحتُهم.

«هذا حِبر على ورق»، «قبل الحوار ليسحبِ الجيش السلاح غير الشرعي»، «أيّ حوار والحزب في سوريا يقاتل»… وسط ردود الفعل الانفعالية غير المرحّبة باستكمال الحوار، شابٌّ مفتول العضلات على عتبة الأربعين لم يشارك في النقاش، إلى أن ساد الصمت للَحظة، فقال وهو مكتوف اليدين: «نحنا ما منِتبَلىَّ على حدا بَس مِندافِع عن أعراضنا، وأهلاً وسهلاً بالأوادم». وقاطعَه أحد الزبائن متمنّياً لو يتطرّق الحوار لقضايا عميقة لَصيقة بالتحدّيات الراهنة، قائلاً: «عَمْ يِحكو بالقشور، أنا هون وإنت هون ما رَح نوصَل لنتيجة».

يُجمِع شبّان طريق الجديدة وكلّ مَن التقيناهم في محيط جامع عبد الناصر على رغبتهم في العيش بعيداً من المناكفات، والسِجالات العقيمة، مؤكّدين: «ما حَدا بيِلغي حَدا»، متأسّفين في الوقت عينه لوجود فئة من الشباب مِن مختلف الأطراف، «بتِنشَرا وبتِنباع»، أي أنّها جاهزة لافتعال المشاكل والفِتن عند الطلب في أيّة لحظة.

الشيّاح: سَمنة على عسل

في المقابل، انقسَمت أراء أهالي منطقة الشيّاح ما بين قاعدتين: الأولى «إذا اختلفوا منفترق وإذا اتّفقوا منجتمِع»، والثانية: «السياسيون أساس المشكلة، ومن دونِهم الأجواء مرتاحة».

لم يكن صعباً على أبو علي معرفة ما إذا كان أصحاب المحال سيجتمعون للعب الطاولة عنده، فكان يكتفي بإلقاء نظرة على آخر المواقف السياسية، ليعرف الجواب: «إذا السيّد صعَّد في خطابه، أو الشيخ غرّدَ عبر «تويتر»، أي أنّ الجوّ «مكهرَب»، لا مراء عام للّعب ولا فرصة للربح». ماذا بعد بَدء الحوار؟

سرعان ما تلمَع عينا أبو علي، والارتياح يغمر محيّاه، قائلاً: «مِتل السَمنة على العسل، هدأت الأمور قليلاً، تنفّسَت المنطقة لا شكّ، حتى إنّ التعامل بيننا اختلفَ، غابت الحدّية ليأخذ مكانها طول البال». ويقاطعه جاره وهو يدير صالون للحلاقة قائلاً: «فعليّاً يتّفق الأهالي في ما بينهم، ولكنّ الزعماء من يفرّقونهم ويؤجّجون النار في ما بينهم»، ويردف قائلاً: «حيّدوا السياسيين وما بيبقى سنّي- شيعي، ما حَدا من الشباب بيربط لحَدا».

حيال الارتياح الحذِر الذي يبديه الأهالي، يعتبر البعض أنّ المسألة لا تحتاج إلى حوار طنّان رنّان، إنّما العمل على انتقاء الكلمات، والتخفيف من الإطلالات الإعلامية والخطابات المؤجّجة، ما من شأنه تقريب المسافات وتبريد التشنّجات. في هذا الإطار يتذكّر حسين، يومَ وضع الحريري طيّارته الخاصة في خدمة «أولادنا مخطوفي أعزاز، بكلمتين منه دخلت محطة «المستقبل إلى الضاحية، فيما قناة «المنار» إلى طريق الجديدة، سبحان الله، وحدَه يدرك ما في عقول زعمائنا».

شراء الأمل

في وقتٍ تتّفق الحجّة وداد وجارتها على إبعاد ولديهما قدر المستطاع عن أوحال السياسة، من دون الارتهان لأيّ جهة سياسية، إيماناً منهما بأنّ معظم السياسيين «مَرّقلي لمَرِّقلك»، لا تشغلهم مصلحة البلد، والدليل إبقاء الوطن من دون رئيس للجمهورية، لا تخفي فئة أخرى خشيتَها من أن يكون الحوار «كمَن يشتري الوهمَ لمناصريه أو الأمل».

رغمَ تفاوت الآراء، رغبةٌ مشترَكة تَجمع الشارعين الشيعي والسنّي: «لا بديل لنا عن الحوار، فقد أظهرَت التجارب أن لا يمكن لأحد إلغاء الآخر». فهل تأتي نتيجة الحوار على قدر طموح الأهالي، أو لكلٍّ من القوى المتحاورة خطة «ب» تسير وفقها في حال تعثُّرِه؟