Site icon IMLebanon

كيف يسيطر «حزب الله» على عرسال ولا تقع فتنة؟

يقول البعض: إحتلَّ «حزب الله» في 7 أيار 2008 بيروت العاصمة، ذات المليون نسمة، ولم تقع فتنة مذهبية. فلماذا تقع الفتنة إذا احتلَّ عرسال، البلدة النائية في أقاصي الجرد البقاعي، وذات الـ90 ألف نسمة، أكثر من نصفهم سوريون؟

تساهل تيار «المستقبل» مع «حزب الله» حتى اليوم في مسألتين استراتيجيتين، هما: الاحتفاظ بالسلاح والتورُّط في الحرب السورية. وتوافَقَ التيار مع «الحزب» على التصدّي للتطرُّف السنّي والجماعات التكفيرية وملاحقتها، من صيدا – عبرا- عين الحلوة، إلى العاصمة فطرابلس وعكار، إلى البقاعين الشمالي والشرقي. وغطّى «المستقبل»، بلا تردُّد، ولا حسابات مذهبية، كل نشاط الأجهزة الرسمية لكشف الخلايا النائمة.

أمّا «المستقبل» فيبدو حازماً جازماً، وعلى لسان الرئيس سعد الحريري، أنه لن يقبل بأيّ مغامرة لـ»حزب الله» في عرسال، وأنّ مهمَّة ضبط الأمن هناك يجب أن تكون حصراً للجيش اللبناني الذي نفّذ، في الأيام الأخيرة، انتشاراً في البلدة. لكنّ الأوساط القريبة من «الحزب» ترى أنّ هذا الانتشار عديم الفائدة.

ويذهب البعض إلى اعتباره محاولة لتنفيس اندفاع «الحزب» إلى تنفيذ عمليته في عرسال. وتزامناً، توحي «جبهة النصرة» بإفراج قريب عن العسكريين المخطوفين كي تدفع بـ»حزب الله» إلى تأجيل المعركة.

ما يريده «حزب الله» من الجيش هو أن يسير معه جنباً إلى جنب، بالتنسيق الكامل، لتنفيذ عملية جراحية في عرسال وجرودها. أو يريد منه تنفيذ «عملية عبرا كبيرة»، واستئصال الإرهابيّين منها وفقاً للطريقة التي أدَّت إلى استئصال الشيخ أحمد الأسير.

لكنّ الجيش يدرك أنّ عرسال ليست عبرا، وأنّ المغامرة في عرسال لها تردُّدات مذهبية يحاذر الوقوع فيها، أيّاً كانت الظروف. كما أنّ «المستقبل» يؤكد أنّ موقفه في عرسال لن يكون كموقفه في عبرا. وتالياً، إنّ أيّ مغامرة يقوم بها «حزب الله» في عرسال لن تمرَّ مرور الكرام، وقد تُفجِّر البلد.

عند هذه النقطة، أي المخاوف من اشتعال فتنة مذهبية شاملة، يقف «الحزب» باحثاً عن تسوية بين سقفين:

1- بلوغ الهدف الذي لن يتراجع عنه «الحزب»، مقابل أيّ ثمن، وهو السيطرة على عرسال، وحماية ظهره استعداداً لتطورات سورية آتية، شديدة الدقّة.

2- تجنُّب أن تتحوَّل عملية عرسال شرارةً للفتنة المذهبية الشاملة في لبنان. فوقوع الفتنة مقتلٌ لـ»الحزب» بكلّ ما في الكلمة من معنى، لأنه سيعني انهيار لبنان بمؤسساته وسلطته وكيانه، وسيؤدي إلى خلق معطيات داخلية غير محسوبة قد تقلب الطاولة بكاملها على «الحزب». وربما يأتي اليوم الذي يصبح فيه «الحزب»- أو سواه من القوى الداخلية- راغباً في قلب الطاولة. لكنّ التوقيت والظروف يجب أن تكون مدروسة جيِّداً.

لذلك، يتريّث «حزب الله» في إطلاق عملية عرسال انتظاراً لترتيب الظروف الملائمة. وما «لواء القلعة» سوى محاولة لترجمة الكلام الذي قاله السيّد حسن نصرالله أخيراً عن أنّ «أهلنا في بعلبك – الهرمل لن يقبلوا ببقاء إرهابيّ أو تكفيريّ واحد في جرد عرسال». ففي الصيغة «الأهلية» التي يمكن إعطاؤها للعملية، يمكن أن يختبئ «الحزب» جزئياً ويخفِّف من حجم العواقب.

مشكلة «الحزب» أنّ الوقت يضغط عليه في سوريا. وإيران تضغط عليه هناك لتزخيم المواجهة دفاعاً عن الأسد، خصوصاً في دمشق وحمص وحماه والأرياف. وهو يضغط على الحكومة والجيش والقوى الأمنية لكي تلبّي مطالبه في اقتحام عرسال. لكنّ «المستقبل» يضغط أيضاً من داخل الحكومة والمؤسسات لتعطيل 7 أيار العرسالية. ويبدو مصرّاً على المواجهة بمقدار خشيته الفتنة المذهبية، كما كان في كلّ المحطات منذ العام 2005.

إذاً، إنه «عَضُّ أصابع» بين محورين سيخوضان معركة حتمية. ويخشى «الحزب» أن يفاجئه خصومه هذه المرّة، أي أن يشربوا «حليب السباع» ويردّوا عليه بما يمتلكون من وسائل، فتتحوَّل المعركة حرباً أهلية. وأمّا «المستقبل»، ففي السابق خسر المعارك كلها لأنه خاف، خصوصاً من الفتنة. فهل يختار المواجهة، ولَو غامر باحتمالات الفتنة؟

يُقال في أوساط سنّية: لن تكون ردود الفعل على أيّ عملية لـ»حزب الله» في عرسال كأيّ ردّة فعل سابقة، ومهما كلّف الأمر. فظروف العام 2015 تختلف عن ظروف العام 2008، ورمزية عرسال السنِّية في ظل الحرب السورية تختلف عن رمزية العاصمة بيروت. ولا نريد الدخول في التجربة.

هل هناك احتمالات حقيقية لاندلاع حرب أهلية في لبنان، على رغم خوف الجميع منها؟

إجمالاً، تقع الحروب الأهلية في لبنان نتيجة قرارات خارجية. لكنّ مبادرة داخلية متهوِّرة يلجأ إليها أحد الأطراف، في ظل احتقان مذهبي عابر للحدود، قد تتكفَّل أيضاً بتفجير يصعب ضبطه. وهذا ما يدعو «الحزب» إلى التفكير أكثر في خطته العرسالية، لكنه لا يحول دون إصراره على تنفيذها: لن نقبل بقيام «أنبار» أخرى في قلب منطقتنا، أيّاً كان الثمن.

فهل يعثر «الحزب» على «حجر الكيمياء» الذي يتيح له تركيب معادلة باتت صعبة التحقُّق، على مرمى حجر من القتال المذهبي السوري، أي السيطرة على عرسال والسيطرة على ردود الفعل السنِّية في آن معاً؟