Site icon IMLebanon

كيف «يتسلّل» الحديد الإيراني الى لبنان

 

 

تستخدم إيران الأراضي اللبنانية، كواحدة من القواعد التي تساعدها في خرق العقوبات الأميركية المفروضة عليها، من خلال اعتماد أسلوبٍ شرعيٍّ في الشكل، يضمن استمرارية تدفق التمويل الإيراني الى الحلفاء في لبنان، من دون المرور بالقطاع المصرفي.

 

يجزم تجار الحديد في لبنان من كبيرهم الى صغيرهم أنّ الجهة التي تقوم باستيراد الحديد الإيراني الى لبنان «معروفة» ولا أحدَ يستطيع لجمها أو مساءلتها عن كيفية دفع ملايين الدولارات لاستيراد الحديد الإيراني من دون المرور بالقطاع المصرفي.

 

ورغم أنّ استيراد الحديد الإيراني ليس محظوراً في لبنان ويخضع كغيره من السلع المستوردة للرسوم الجمركية، فهو يدخل اليوم عبر مرفأ بيروت بصورة شرعية. إلّا أنّ الحديد الإيراني مدرج على لائحة مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك)، وبالتالي يحظّر الإتجار به عالمياً.

 

وبما انه لا يوجد أيُّ مصرف اليوم يسمح لعملائه بالتعامل مع إيران أو فتح اعتمادات لاستيراد بضائع من إيران، التزاماً منه بالقوانين الأميركية، يتعذّر على التجار استيرادُ الحديد الإيراني أو أيّ بضائع اخرى، نظراً لاستحالة تسديد قيمة البضائع من خلال القطاع المصرفي.

 

فكيف يتم استيرادُ ما قيمته ملايين الدولارات من الحديد الإيراني الى لبنان من دون المرور بالقطاع المصرفي؟

 

أكد أحد كبار تجار الحديد في لبنان لـ«الجمهورية» أنه تصل الى لبنان، أسبوعياً باخرة محمّلة بالحديد الإيراني تأتي مباشرة من إيران عبر مرفأ بيروت، إذا كانت حمولتها تتعدّى الخمسة آلاف طن، أو من إيران عبر تركيا برّاً وصولاً الى لبنان في حال كانت الحمولة بين 3 و5 آلاف طن.

 

ويقدّر التجار اجمالي الحديد الإيراني الذي دخل لبنان في الفترة الاخيرة بحوالى 35 ألف طن بسعر يقلّ بنسبة 25 في المئة مقارنة مع طن الحديد المستورد من دول أخرى (أي يباع في لبنان بين 450 و500 دولار مقارنة مع 600 دولار للحديد غير الإيراني) وبالتالي، يكون حجم الأموال الواردة الى لبنان من خلال الحديد غير المسدّدة قيمتُه عبر المصارف، 17 مليون دولار.

 

وأعلن المصدر نفسُه أنّ المصارف اللبنانية حذّرت كافة تجار الحديد من التعامل مع إيران أو مع أيِّ تاجر يتعامل أو يستورد من إيران تحت طائلة إغلاق حساباتهم المصرفية.

 

وأوضح تاجر آخر لـ«الجمهورية» أنّ استيرادَ الحديد الإيراني يعرّض قطاع تجارة الحديد والتجارَ أنفسَهم للخطر، إذ إنّ مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك)، قد يشمل الصالح والطالح بهذا الامر، عندما يطرح تساؤلات حول كيفية إدخال الحديد الإيراني الى لبنان واحتمال تبييض الاموال عبره.

 

وبالتالي لن يميّز بين تاجر الحديد الملتزم بالقوانين والتجار الآخرين الذين يستوردون من إيران بطرق ملتوية، «حيث لا نعلم إذا كان يتم تسديد قيمة الحديد المستورد أم لا. كلّ ما نعلمه أنّ المستهلك اللبناني الذي يشتري الحديد الإيراني يدفع ثمنه نقداً للتاجر».

 

وقال إنّ تجار الحديد يعانون من جمود حاد منذ 3 أشهر حيث انعدمت مبيعاتُهم بشكل كامل جراء الأوضاع الاقتصادية المتردّية في البلد وتراجع حركة البناء بالاضافة الى المنافسة التي فرضها الحديد الإيراني في السوق، حيث يباع بأقلّ من 100 او 150 دولاراً للطن الواحد، ما دفع المستهلكين الى التوجّه نحو الحديد الإيراني، وأدّى الى تراكم مخزون التجار الشرعيين وتراجع حجم أعمالهم بنسبة 50 في المئة.

 

وأشار الى انّ استثمارات تجار الحديد في لبنان كبيرة، كما والتزاماتهم وديونهم للمصارف «ولا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، وليس من مسؤوليتنا أن نتابع خفايا وزواريب الاستيراد من إيران».

 

ختم: نحن لا نعارض الاستيراد من إيران اذا كان ذلك مسموحاً، لكننا ملتزمون القوانين ومتخوّفون من أن تطالنا العقوبات ويتم إغلاق حساباتنا بمجرّد أن تتفتّح العيونُ الخارجية على الحديد الإيراني في لبنان.

 

منافسة الصناعة المحلية

 

بالاضافة الى الحديد الإيراني الذي يغزو الاسواق ويعرّض كبار التجار للخطر والمنافسة، هناك نوع آخر من الحديد الذي يتم أيضاً استيرادُه الى لبنان وهو الحديد الذي يتم تصنيعُه محلياً أي فوارغ وقساطل من قبل 8 مصانع لبنانية قادرة على تلبية حاجة السوق اللبناني كافة.

 

وأكد النائب شوقي دكاش لـ«الجمهورية» «أننا نطالب بدعم وحماية هذا النوع من الحديد لأنّ الحديد التركي والإيراني الذي يقلّ سعره بنسبة 20 في المئة عن السعر المحلي، أغرق السوق المحلية. وأشار الى أنه دخل لبنان حوالى 5 آلاف طن من الحديد ( فوارغ وقساطل). مشدداً على أنّ الحديد التركي ينافس الصناعة المحلية لأنّ صادراته مدعومة وكلفة إنتاجه تقلّ كثيراًَ عن الكلفة التشغيلية في لبنان.

 

من جهته، أكد مازن زعني الذي يتابع ملف تهريب الحديد في جمعية الصناعيين، أنّ الحديد الإيراني الخام (أي المستخدم في البناء) أو القساطل والفوارغ يتم إدخاله الى لبنان عبر طريقتين:

 

 

 

واشار الى أنّ الحديد الإيراني الذي يصل الى لبنان عن طريق تركيا، يتم تغييرُ بلد المنشأ من إيران الى تركيا، ويصار تصديره الى لبنان، بطريقة شرعية وذلك من اجل التهرّب من العقوبات الاميركية المفروضة على إيران. وبالتالي يصل الحديد الإيراني – التركي الى لبنان بسعر أقلّ بنسبة 10 في المئة لكلّ طن حديد مقارنةً مع طن الحديد الآخر.

 

وقال إنّ انهيار العملة الإيرانية جعل الايرانيين يلجأون الى شتّى الطرق من اجل الحصول على العملة الصعبة، ما فتح المجال امام التجارة عبر تركيا من خلال تغيير بلد المنشأ.

 

كما لفت زعني الى أنّ الحديد الذي يتمّ تهريبه من سوريا، يكون ذات منشأ سوري أو إيراني في جزء كبير منه، ومَن يقوم بتهريبه لا يهدف فقط الى المنافسة بأسعار أقلّ بل الى ضمان وصول السلع الى لبنان وبيعها مقابل الحصول على العملة الصعبة.

 

وقال إنّ حجم التهريب عبر المعابر البرّية لا يشكل سوى 2 او 3 في المئة من السوق المحلية «لكن رغم أنه ليس بالرقم الكبير إلّا أنه يزعزع السوق الداخلية ويضغط على الأسعار ويؤثر على ثقة المستهلكين».

 

واشار زعني الى انّ منتجات الحديد اللبنانية (فوارغ وقساطل) لا تحظى بأيّ نوع من الحماية اليوم، حيث إنه يتم استيراد المنتجات نفسها التي نصنّعها في لبنان، بأسعار أقلّ، لأنّ الرسوم المفروضة على استيراد الحديد زهيدة جدّاً، خصوصاً المستوردة من تركيا. لافتاً الى أنّ الكلفة التشغيلية في لبنان من ناحية اليد العاملة وفاتورة الكهرباء لا يمكنها منافسة البضائع التركية التي تحظى بالحماية والدعم.