تؤكد المواقف والوقائع التي سجلت في الايام الماضية ان ثمة ارباكاً واضحاً في التعاطي مع الموازنة، وان هناك خلافات ظاهرة واخرى مستترة بين اهل الحكم حول آلية التعاطي معها اضافة الى مضمونها.
وليس كلام الرئيس عون وانتقاده في عيد الفصح التباطؤ والتلكؤ في عرض الموازنة على مجلس الوزراء سوى علامة من علامات هذا الخلاف، لا سيما ان رسالته بدت موجهة للرئيس الحريري الذي فضل احتواءها برد يحمل ايضاً دلالة واشارة واضحة لوجود هذا الخلاف.
وقبل رئيس الجمهورية، اكد الرئيس بري غير مرة على وجوب الاسراع في مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء واحالتها الى المجلس لينكب على درسها واقرارها.
وتدخل في الجلستين (المساءلة والتشريعية) مرتين ليذكر الرئيس الحريري بالالتزام باقرار الموازنة قبل نهاية ايار المقبل، لا سيما بعد ان سمعه يتكلم عن فترة 3 اشهر اي الفترة التي تتجاوز الموعد المحدد بشهر كامل.
وبعد 48 ساعة على كلام الرئيس عون رفع وزير المال علي حسن خليل مشروع الموازنة الى الامانة العامة لمجلس الوزراء بصيغتها الجديدة مع الاجراءات التخفيضية المقترحة ليؤكد ان التأخير ليس فيه، وانه كان مستعداً في اي وقت للقيام بذلك لولا الرغبة في عقد اجتماعات تمهيدية برئاسة الرئيس الحريري قبل طرحها على طاولة مجلس الوزراء.
واذا كان الرئيس الحريري قد برر سلوك مثل هذا الخيار بالحرص على تحقيق التوافق على صيغة الموازنة قبل الذهاب الى مجلس الوزراء لتسهيل النقاش داخله ولانها تعتبر موازنة استثنائية، فان الاستعجال من قبل رئيس الجمهورية وقبله رئيس الحكومة لا يعني عكس ذلك بقدر ما يفتح المجال امام نقاش الموازنة داخل الحكومة وجدرانها لا سيما ان الاجواء التي تسربت عن الاجتماع الاول للقوى الاساسية برئاسة الحريري قد خلقت ردود فعل قوية في الشارع على فكرة الاقتطاع من معاشات ورواتب الموظفين والمتقاعدين.
وبانتظار الحسم داخل مجلس الوزراء يبدو في الظاهر ان هناك اجماعاً او شبه اجماع لاهل الحكم والحكومة على عدم تحميل الفئات الفقيرة او محدودة الدخل اعباء هذه الموازنة التقشفية، لكن هناك ضبابية في تفسير هذا الموقف او على الاقل اختلاف في التفسير بين طرف وآخر.
ووفقاً للمعلومات من مصادر موثوقة فان فكرة تخفيض الرواتب بنسبة تتراوح بين 10 و15 بالمئة ما زالت مطروحة، بدليل ان وزيرة الداخلية المحسوبة على الرئيس الحريري تحدثت امس بوضوح خلال زيارتها للمركز الرئيسي للامن العام عما وصفته «بالعمل على تخفيف المفاعيل السلبية على معاشات التقاعد والرواتب الشهرية، ولكن هناك تضحية منا كلنا لان البلد يمر بأزمة اقتصادية ويجب ان نعمل على ضبط الانفاق».
ومما لا شك فيه ان لكلام الوزيرة الحسن دلالات كثيرة كونها كانت وزيرة للمال سابقاً، وهي ليست بعيدة عن اجواء وتصورات وخيارات الرئيس الحريري المالية والاقتصادية، بل هي في صلب مطبخه المالي.
وتقول المعلومات ان تريث الحريري ربما يعود لقناعته بخيار التخفيض رغم معارضة بعض الاطراف الفاعلة اللجوء الى هذا الخيار كما عبر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي اكد في الوقت نفسه على التعاون في مناقشة كل الافكار شرط ان تكون في اطار ثابتتين: عدم المس بالفئات الفقيرة، وعدم فرض ضرائب جديدة عليها.
ويتطابق بوجه عام موقف السيد نصر الله مع الرئيس بري الذي عبر في جلسات المجلس وخارجها عن رفضه للمس بالفقراء وذوي الدخل المحدود.
واذا كان الوزير جبران باسيل اول من بشر بتخفيض رواتب الموظفين فان الرئيس عون ينظر الى هذا الموضوع بحذر شديد، خصوصاً تجاه ما يمكن ان يصيب العسكريين الذين ينتمي اليهم ولا يمكن ان يتخلى عنهم.
وتقول المعلومات ان عقد وزير الدفاع الياس بو صعب امس مؤتمراً صحفياً وتأكيده على عدم المس برواتب وحقوق العسكريين والمتقاعدين لا يعكس رأي قيادة الجيش فحسب بل ايضاً رأي الرئيس عون وقناعاته.
وحسب المعلومات ايضا فان تمرير فكرة تخفيض الرواتب دونها صعوبات عديدة منها عدم امكانية حسمها واقرارها داخل الحكومة، هذا عدا عن ان المهلة التي تفصلنا عن موعد طرحها على الهيئة العامة للمجلس النيابي (لا تقل عن شهر اذا ما احيلت اليه قبل نهاية نيسان الجاري) ستشهد تعبئة وردود فعل قوية في الشارع تتجاوز كل التوقعات والحسابات.
وتقول مصادر مطلعة ان هناك نوعاً من الاستسهال في سلوك خيارات الحد من الانفاق، وان الاجراءات والافكار التي طرحت على النقاش تتجاوز «روتشة» مؤتمر سيدر. فالمؤتمر اكد على وقف التوظيف، وتوحيد نظام الضمانات الاجتماعية، ورفع دعم الدولة، لكنه لم يتحدث او يتطرق تخفيض الرواتب والمعاشات.
وهذا ما يعزز الاعتقاد بان مثل هذه الفكرة او الصيغة المقترحة هي من افكار «البيت اللبناني» وليست ترجمة لمقررات «سيدر».