من غير المحتمل بالنسبة الى مصادر وزارية واخرى سياسية ان تبدل المخاوف الدولية على لبنان التي تم التعبير عنها في الامم المتحدة وخلال زيارة الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا لبيروت من طبيعة مقاربة الافرقاء اللبنانيين للازمة السياسية والدستورية القائمة بحيث يتم ترجمتها في المسارعة الى إجراء انتخابات رئاسية مثلا تساهم في لملمة الوضع. فرؤساء البعثات الديبلوماسية الاجانب المعتمدين في لبنان يتولون نقل المخاوف على لبنان الى زعماء التيارات والاحزاب اللبنانية منذ بعض الوقت، لكن كل من هؤلاء يخرج بتحذيراته من المخاطر المحدقة بلبنان ويحاول ان يسقط طموحاته او برنامجه من ضمن التحوط لهذه المخاطر. فالتهديد الذي بات يشكله تنظيم الدولة الاسلامية انطلاقا من احداث عرسال يترجمه “حزب الله” في اطار تبريراته للمشاركة في حرب سوريا ودفاعه عن لبنان وجميع طوائفه في وجه داعش في الوقت الذي يواجه تيار المستقبل هذا المنطق بالتأكيد ان لا بيئة حاضنة ممكنة لهذا التنظيم في لبنان ما يعني ان المخاوف قد يكون مبالغا فيها لجهة امكان نجاحه في تحقيق اختراقات في لبنان على غرار ما فعل في العراق وسوريا وان يكن هناك عناصر او خلايا يمكن ان تتعاطف مع هذا التنظيم وترغب في التحرك على ايقاعه. وهذا الانقسام الداخلي ينسحب على الافرقاء السياسيين في هذا الجانب او ذاك مع كل المبررات التي تخدم وجهة النظر هذه او تلك.
تتناقض هذه التحذيرات الدولية الجديدة مع ما يتناقله مسؤولون سياسيون من وجود مظلة سياسية دولية تحمي لبنان واستقراره كان آخرها ما نقله نواب عن رئيس الحكومة تمام سلام في هذا الاطار. فيثار تساؤل اذا كانت هذه التحذيرات هي لإنذار اللبنانيين بعدم الاستهانة بالاخطار او الاستكانة فقط الى هذه المظلة وثباتها في ظل الخلافات الدولية التي تعصف بين الدول المؤثرة دوليا واقليميا من جهة، وفي ظل تطورات في المنطقة تلحظ تقدم داعش على رغم الضربات العسكرية الدولية التي تستهدفه؟ وهل تطاول هذه التحذيرات الافرقاء السياسيين اللبنانيين بمقدار ما تطاول الدول الاقليمية المؤثرة بلبنان، من اجل عدم التضحية به ساحة جديدة من ساحات الصراعات المتفجرة في المنطقة على وقع الحرب الباردة السعودية الايرانية التي توهجت اخيرا على وقع تصريحات قوية وحادة من الجانبين؟
يدرك الافرقاء السياسيون او هم الاقل يعلنون ادراكهم المخاطر التي تتهدد لبنان لكن لا يبدون اي قدرة على تخطي مصالحهم المباشرة من اجل الالتقاء لإنقاذ البلد في هذه المرحلة، اما لعجزهم عن امتلاك الحلول وتقديمها او لارتباط هذه الحلول باعتبارات اقليمية تمنع على هؤلاء الافرقاء تحمل مسؤولياتهم وفق ما يجب بحيث يبدو البلد في مهب الريح في ظل خشية متعاظمة على وضعه وواقعه كما على مستقبله بحيث لا يطمئن اداء المسؤولين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم.
الا ان التحذيرات الدولية وكذلك الديبلوماسية السابقة لهذه التحذيرات انما تبنى على واقع ان تقدم هذا التنظيم في العراق وسوريا انما حصل على وقع جملة عوامل من بينها الفراغ في المؤسسات الدستورية وضعفها فضلا عن الفراغ الامني الذي سعت التنظيمات التكفيرية الى تعبئته في هذين البلدين، ونجحت في ذلك، على وقع مشاكل سياسية لها جذور مذهبية او يتم استغلال اعتبارات مذهبية فيها لا يفتقدها لبنان ايضا في صلب خلافاته السياسية. ومن هنا الاهمية التي يكتسبها بقاء الحكومة الجامعة وضرورة استمرارها ومحاولة عدم تهديدها او انفجارها من داخل او تعطيلها لئلا يشكل ذلك ذريعة يمكن ان يستفيد منها المتطرفون من اجل تجييش عناصر في الوضع الداخلي، خصوصا ان ضعف الحكومة واضح للعيان وعبر عن نفسه بقوة في ازمة الرهائن العسكريين خلال الشهرين الماضيين. وهي الاهمية نفسها واكثر التي يكتسبها تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية يساهم في تدعيم المؤسسات الدستورية ويساهم في تقويتها ولملمة الوضع ككل. ويأتي في درجة موازية المحافظة على الجيش اللبناني وضرورة تقويته وعدم المساس به او اضعافه عبر حملات سياسية او اي مواقف قد تساهم في تهديد وحدته. وتقول المصادر في هذا الاطار ان موقف الرئيس سعد الحريري الاخير يكتسب اهمية كبيرة في توجيه الرسائل الواضحة الداعمة للجيش والقسوة على ابناء طائفته بالذات من اجل عدم الاستهانة بالجيش او المس بوحدته، وهو المدرك اهمية وخطورة هذا الواقع الذي يكتسب ابعاده المهمة اكثر فاكثر في سياق ما يواجهه لبنان وعدم الافساح باي ذرائع قد يستفاد منها للنفاذ الى تغيير الواقع السياسي او الى انزلاق لبنان الى ما يخشى منه. وتعطف هذه المصادر على هذا الواقع الخطير وجود ما يقارب ثلث سكان لبنان من اللاجئين السوريين الذين يمكن ان يشكلوا خطرا على لبنان ابعد من انهاكه وفق ما يحصل حاليا في حال سعى تنظيم الدولة الاسلامية الى التوسع او التمدد في لبنان على غرار ما حاول القيام به في عرسال.
ومن ضمن هذا المنظار لا يمكن عزل هذه التحذيرات عن كونها تطاول ايضا القوى الاقليمية المؤثرة في لبنان من اجل الامتناع عن دفع لبنان نحو الانزلاق الى آتون الحرب العراقية والسورية التي تهدده واقعيا والعمل على حمايته بدلا من تحويله ساحة اضافية من ساحات الصراع المستعرة في المنطقة.