السؤال المحرج موجه الى النواب اللبنانيين الذين يشرعون لزيادة تعويضات المعلمين وترفيع الدرجات دون تدقيق النتائج المرتقبة.
والاغرب ان تصريحات بعض الافرقاء السياسيين تغاضت عن موضوع الاصلاحات التنظيمية المطلوبة. فنواب كتلة المستقبل اعتبروا ان زيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة بنسبة واحد في المئة تكفي لتحقيق التوازن بين الزيادة في النفقات والواردات على افتراض التقسيط على سنتين.
ونواب كتلة التغيير والاصلاح، فريق الجنرال عون، اتخذوا موقفاً اكثر عقلانية، اذ أصروا على تحقيق الاصلاحات الادارية، من غير ان يوضحوا طبيعة الاصلاحات وسبل اقرارها وتنفيذها.
وجميع النواب يدركون ان نفقات قوى الامن الداخلي وعديد الجيش مرشحة للتزايد بقوة خلال سنة 2015 والهم المتعلق بالسلامة العامة والاستقرار الداخلي هو الهم الغالب، انما هنالك قضية لا تقل خطورة عنه الا وهي الحيلولة دون تعاظم الدين العام، حتى لو كانت هذه النتيجة لا يمكن تحقيقها قبل انقضاء سنتين، شرط البدء باقرار الخطوات التي تحدّ من تنامي الدين العام على الصورة التي شهدناها خلال 2013 والتي نشهدها في 2014 والتي ستشهد وتيرة أعلى مع زيادات الرواتب سنة 2015.
لقد بيّنا في مقال سابق ان البلدان الاوروبية واجهت منذ 2008، وخصوصاً منذ 2009 عندما برزت تأثيرات الازمة المالية العالمية، انخفاضاً في معدلات النمو، وهذا ما واجهناه في لبنان خلال السنوات الثلاث المنصرمة، الا ان الاوروبيين اختاروا مواجهة الازمة المستفحلة والتي يقدر ان تستمر ثلاث سنوات، خفض رواتب موظفي القطاع العام واختصار اعدادهم. ومن البلدان التي اقدمت على ذلك البرتغال واسبانيا وايرلندا، وهذه البلدان، اضافة الى بريطانيا، أقرت تجميد مستويات الحد الادنى للاجر دون زيادات تماشي غلاء المعيشة، بينما خفضت اليونان رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 22 في المئة واعداد هؤلاء بنسبة 20 في المئة. وبريطانيا التي حققت نموا بنسبة ثلاثة في المئة في 2013 وتقدمت بقية البلدان الاوروبية، اقرت زيادة رواتب موظفي الدولة بنسبة واحد في المئة فقط.
بالتأكيد نحن لا نطالب باجراءات تشابه ما واجهته اليونان التي اقترضت مليارات الاورو لسد عجز الخزينة والقيام بالتزامات الدولة حيال الدين العام واصحاب سندات الخزينة.
المطالب في لبنان تتصاعد بعد زيادات ملحوظة خلال 2012 لتغطية غلاء المعيشة وقت كان البلد يواجه ولا يزال تقلص النشاط الاقتصادي وازدياد الاعباء المترتبة عليه من كثافة اللاجئين السوريين، وتقدير الهيئات الدولية ان انفاق الدولة اللبنانية على الحاجات الاساسية لهؤلاء لا بد ان يقتطع خلال سنتين 1,6 مليار دولار من الموارد العامة، وهذا التقدير لا يشمل زيادة الضغط على عجز كهرباء لبنان، الذي يتوقع ان يزيد نتيجة الحاجات الملحة للاجئين، وقدرت زيادة العجز في هذا المجال وحده بـ400 مليون دولار. وأضيفت الى كل ذلك بسبب الظروف الامنية المتفجرة تكاليف لا يمكن تقديرها. فقوى الجيش، والمعدات المستعملة في المواجهات، وتعويضات العسكريين التي تتوافر خلال مواجهتهم طوارىء أمنية سوف تزيد العجز المتوقع الى حد بعيد.
على رغم مواجهتنا هذه التحديات الامنية والمالية، نرى النواب ينجرفون نحو اقرار زيادات الرواتب وتعويضات المعلمين، وربما ادارج المياومين في اسلاك موظفي كهرباء لبنان من دون تحقيق لنتائج خطوة كهذه، وليس من حديث عن اصلاحات جذرية على الاطلاق. ويبدو ان نوعاً من الاستفاقة دفع رئيس مجلس النواب الى طي التوجه الى اقرار السلسلة كما هي في الوقت الحاضر.
سبق لنا ان أكدنا ان أعداد المعلمين في القطاع العام تفيض عن الحاجة، فهنالك مدرس لكل ثمانية تلامذة في مقابل مدرس لكل 22 تلميذاً في المدارس الخاصة، وعلى رغم هذا التفاوت الواضح بين اثقال تعليم ثمانية تلامذة، ومستوجبات تعليم 22 تلميذاً، يطالب الاساتذة – أو بعضهم – في المدارس الخاصة بزيادات في الرتب والرواتب التي يرجح موافقة مجلس النواب عليها اسوة بمعلمي المدارس الرسمية.
اللبنانيون يعانون عجز الكهرباء، ويعانون شح المياه، ويعانون ازدحام الطرق، ويعانون فرض الغرامات، ويعانون نتائج الخوف على حياتهم وعلى مستقبل اولادهم، والنواب لا يقدمون الاصلاح على كل أمر آخر، ناهيك بانتخاب رئيس للجمهورية.
اننا نرى ان الدولة، بأجهزتها الادارية الحالية، تعاقب اللبنانيين كل يوم، وكل ساعة، فكل معاملة تستوجب تعقيدات، وخسارة أوقات ثمينة يمكن خلالهاا نجاز الاعمال، ولا نرى توجهاً نحو زيادة الانتاجية وتنويع الاستثمار وتطوير النشاط الاقتصادي. كل ما نشهده ونعانيه تدهور بيئة الحياة المجتمعية، وتدهور صحة الاقتصاد، ومشارفة تأزيم الوضع المالي، وكل هم نواب 14 آذار زيادة الواحد في المئة على الضريبة على القيمة المضافة.
ايها السادة النواب، انكم لا تستحقون ثقة اللبنانيين ونظام الانتخاب المعمول به لا يؤمن التمثيل الصحيح، ولو كانت ثمة انتخابات على اسس تؤدي الى تعبير المواطنين عن رغباتهم الحقيقية وتقديرهم لمزايا المرشحين – بدل التمديد المعيب – لما نجح 50 في المئة من النواب الحاليين.
استفيقوا حضرة النواب على ضرورات نفض الادارات الحكومية، وتمثلوا بما فعلت دبي خلال عشرين سنة، بحيث صارت تستقطب الاستثمارات والكفايات بفضل سهولة المعاملات، والشعور بالاطمئنان، وتغلف المجتمع بالحداثة.
الاصلاح مطلوب في كل الوزارات، ومن أهم هذه وزارة التربية. والاصلاح يفترض إلغاء وزارة الاعلام، اذ لا وزارات اعلام الى في البلدان المتأخرة، او بلدان الانظمة الأوتوقراطية. والاصلاح مطلوب في مجال التشريع واقرار التشريعات الضرورية للسير بعقود التنقيب عن النفط والغاز قبل ان تختفي حماسة الشركات لانجاز عقود كهذه. والاصلاح مطلوب من وزارة المالية، وفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي… الخ.
بكلمة مختصرة، من دون اصلاح اداري جذري يحول دون تبديد أوقات المواطنين، ويختصر اعداد موظفي القطاع العام، ويسهل انجاز المعاملات من دون اضافة تكاليف الرش، لن تكون للبنان قيامة في المستقبل القريب. وانتم حضرة النواب في موقع المسؤولية عن هذا التدهور ولا تستحقون من اللبنانيين الثقة والتأييد.