IMLebanon

إلى متى «الضيف» الروسي «رب المنزل» السوري؟

من جملة ما يبعث في النفس الألم ونحن نتابع تطورات الأزمة السورية، ما نراه في ما يتعلق بالمشهد الحلبي بالذات وكيف أن حلب الشهباء وأبو الطيِّب المتنبي المفتون بها مختصراً إفتتانه بتسع كلمات هي: «كلما رحّبت بنا الروض قلنا… حلب قصدْنا وأنت السبيل»، هو أن «الصديق» الروسي بات يتصرف تطبيقاً لبيت الشعر «يا ضيفنا لو زرتنا لوجدْتنا.. نحن الضيوف وأنت رب المنزل».

في بداية الأمر وصل متسللاً. ثم بدأ يتمدد. ثم صارت له قاعدة جوية وأُخرى بحرية. ثم بدأت عائلات عساكره تأتي إلى سوريا وتستقر في ما يمكن إعتباره «منطقة روسية آمنة». ثم باتت للعساكر ولعائلاتهم حصانة أي بما معناه باتوا مثل السفراء والقناصل الذين لا تنطبق عليهم الإجراءات المعمول بها في البلد المستضَاف، أو المستوطَن نتيجة دعوة من حكومة النظام. أما الذي لا تنطبق عليه الحصانة من إجراءات فهو الطلب من هؤلاء، كما الطلب من الدبلوماسيين، مغادرة البلد خلال ثمان وأربعين ساعة في حال حدثت أزمة حادّة بين البلدين.

بعد هذا التمدد والإستيطان في قواعد بدأت المقاتلات المتطورة تحط وبدأت القِطَع البحرية تتوالى رسواً في المتوسط ضمن المياه الإقليمية السورية كما أن الإبحار تطوّر بحيث بات الحديث عن حاملة طائرات وصواريخ نووية.

كل هذا ولم يصدر عن النظام البشَّاري توضيح أو تبرير، الأمر الذي أوحى بأن عليه أن يستقبل الإطلالات الحربية الروسية فقط وأن يدلي بتصريحات في العموميات مثل القول «إن الإرهاب والإرهابيين هم مجرّد ورقة بأيدي الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية يريدون أن يلعبوها على الساحة السورية…»، ومثل القول أيضاً «إن دعْم الإرهابيين يشكِّل حرب إستنزاف ضد سوريا وإيران ولبنان وأن السعودية وقطر وتركيا تقف خلْف دعْم الإرهاب في سوريا…»، ومثل القول أيضاً وأيضاً «إن الروس يبنون سياستهم على القِيم إضافة إلى المصالح في حين أن الأميركان يبنون سياستهم على أنه بوسعهم إستخدام الإرهابيين في لعبة سياسية لخدمة مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الدول الأُخرى…».

هذا هو المتروك للرئيس بشَّار قوله أما الذي يعني «الضيفْ» الذي يتصرف على أنه هو «رب المنزل» فهذا ينحصر برئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف. هو يعلن هدنة وهو يلغيها وهو يعطي فرصة أخيرة. كما ان الحراك السياسي والدبلوماسي ينحصر بوزير الخارجية لافروف يصول ويجول مع نظيره جون كيري ثم تنتهي الصولات والجولات إلى إبتسامات لا تنقذ طفلاً ولا تداوي مسناً.

وما هو أكثر إيلاماً للنفس أن «الضيف الصديق» هو الذي يستعمل «الفيتو» ضد مشروع قرار دولي في حال كان هنالك قرار ينال من دوره في سوريا حتى إذا كان القرار يُساعد على تسوية، وهو الذي يجيز للعسكريين المعارضين والمدنيين الخروج من أحياء وكأنما هؤلاء ليسوا سوريين ويجب أن تكون مرجعيتهم سورية. كما هو الذي يرفض نتائج لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي أشارت إلى أن الجيش السوري شن ثلاث هجمات كيميائية.

إن أمثلة كثيرة يمكن تدوينها وتعكس كم أن هذا «الضيف الصديق» يتجاوز أصول الإستيضاف. وإذا صحت الأرقام التي تفيد بأن الطائرات الروسية قتلت خلال ثلاثة عشر شهراً من بدء الضربات الجوية الروسية على عدّة محافظات سورية منذ فجر 30 أيلول 2015 وحتى 30 تشرين الأول 2016 أكثر من عشرة آلاف من بينهم الألوف من الأطفال والمسنين والحوامل، فهذا  يعني أن هذا «الضيف» يضمر شراً مستطيراً وأنه ما دام حصل من النظام البشَّاري على تأشيرة الدخول ومن دون تحديد مدة الإقامة، فإنه بذلك يتطلع إلى أن تكون حدود روسيا على ضفاف الجانب العربي من المتوسط، تماماً على نحو ما طاب له المقام في زمن مصر الناصرية. وعلى هذا الأساس فإن مقاضاته من جيل عريض من الأيتام السوريين واردة.. ولو بعد حين.

… وللكلام بقية…