الى متى يظل الرئيس نبيه بري حاملاً السراج للبحث ليل نهار عن رئيس للجمهورية يكون مقبولاً من كل القوى السياسية الاساسية في البلاد فيكون قوياً بها، وهل يتم الاتفاق عليه قبل أن ينفد الزيت من السراج وينطفىء؟ والى متى يظل البيت اللبناني بلا سقف لأن بعض أهله مختلفون على شكل هذا السقف وعلى اي لون واي أثاث يلائم داخله؟ والى متى يظل أهل البيت في العراء الى ان يتم الاتفاق على كل ذلك ويصبح صالحاً للسكن؟
لقد اعلن “حزب الله” ان القرار هو عند العماد ميشال عون، وقالت ايران ان القرار هو عند “حزب الله”، فلو أن النيات كانت صادقة لكانت ايران قالت كلمتها لـ”حزب الله” وهو قالها لعون، لا أن تظل الكلمات ضائعة ولبنان في ضياع… لأن “حزب الله” ربط موقفه من الانتخابات الرئاسية بموقف عون وهو ما لم يفعله عند التمديد لمجلس النواب وعند التجديد لقائد الجيش حرصاً على تضامنهما، وهو ما جعل عون يخرج عن الموضوع ويطالب بمعرفة مواصفات الجمهورية الجديدة قبل معرفة مواصفات رئيسها، كي تكون على صورة رئيسها او يكون الرئيس على صورة الجمهورية. وقد رد عليه نائب في “تيار المستقبل” طالباً منه ان يقول هو اي جمهورية يريد؟ هل يريد جمهورية لا سلاح فيها الا لقوات الدولة ولا يكون سلاح خارجها؟ هل يريد جمهورية تلتزم سياسة الحياد والنأي بالنفس تطبيقاً لـ”اعلان بعبدا” فلا يتدخل لبنان في شؤون غيره من الدول ليجعلها لا تتدخل هي في شؤونه؟ هل يريد جمهورية مرسومة حدودها مع سوريا ولا نزاع على اي نقطة فيها للتمكن من ضبطها؟ وهل يريد جعل هذه الحدود مع سوريا هادئة بتنفيذ القرار 1701 كما صارت هادئة مع اسرائيل؟ هل يريد جمهورية سيدة حرة مستقلة فعلاً لا قولاً، واستقراراً سياسياً وامنياً واقتصادياً ليصير في الامكان تحقيق زيادة نسبة النمو والنهوض بالجمهورية في كل المجالات لتجتذب الرساميل تنفيذاً لمشاريع مهمة تخلق فرص عمل للشباب وتحد من هجرتهم المتفاقمة؟ هل يريد لبنان جمهورية تحرر ما تبقى من اراضيها بقوة السلاح ام بقوة الديبلوماسية؟
إن العماد عون عندما يعلن اي جمهورية يريد ويلتقي مع ما تراه غالبية القوى السياسية الاساسية في البلاد، فقد يكون اعلن برنامجه وصار ترشيحه لهذه الجمهورية قابلاً للبحث. لكن حقيقة المشكلة ليست في اي جمهورية نريد لأن الاتفاق عليها يتطلب موافقة القيادات ومن تمثل، وليس في استطاعة فريق واحد رسم شكل هذه الجمهورية، انما المشكلة هي في من يكون رئيساً للجمهورية ويصلح لجعلها جمهورية تلبي تطلعات الشعب اللبناني على اختلاف مكوناته وانتماءاته، وان اي حوار يشارك فيه أقطاب 8 و14 آذار لن يكون ناجحاً ما لم تقل ايران كلمتها صريحة كي يسمعها “حزب الله” ويسمعها بدوره العماد عون، فإما يستجيب لها أو يرفضها، وان تقول السعودية رأيها في ما تقوله ايران، ومن دون ذلك فان الحوار لن ينتج منه ما يخرج لبنان من ازمة الانتخابات الرئاسية ويجعله قادراً على صد تداعيات ما يجري في سوريا، ولا سيما هجمة التنظيمات الارهابية التي تدق ابوابه وقد يضطر لمواجهتها الى طلب النجدة من كل شقيق وصديق. فاذا لم يكن موقف القادة في لبنان واحداً في هذه المواجهة، فان لبنان كله يصبح مخطوفاً كما العسكريين ولا رأي واحداً لتخليصه.
إن البيت اللبناني لن يكون صالحاً للسكن اذا ظل من دون سقف، واي جمهورية لن يكون لها جمهور اياً يكن رئيسها اذا لم يكن فيها حاكم عادل وحكم صالح. لذلك على القادة في لبنان ان يقرروا هل ينتظرون الخارج ليصنع لهم رئيساً، ام انهم يرفضون ذلك ويريدون أن يكون هذا الرئيس من صنعهم؟ فليس من المنطق رفض ما يصنعه الخارج وفي الوقت نفسه لا يتفقون هم على صنع الرئيس… وبذلك يكونون يعملون، من حيث يدرون أو لا يدرون، على ادخال لبنان باب جهنم الفراغ القاتل، ووضعه بالتالي على طاولة رسم خرائط جديدة للشرق الاوسط لأنهم لم يسمعوا كلمة الاشقاء والاصدقاء التي دعتهم الى انتخاب رئيس للجمهورية قبل اي شيء آخر. ومن دون ذلك قد لا تبقى جمهورية، واذا بقيت فلا ثقة بها تجعلها قابلة للحياة.