IMLebanon

إلى متى ينتظر عون الـ «نَعَم» من جعجع؟

على بعض القادة الموارنة أن يشكر السعودية على رفضها ترشيح عون. وعلى بعضهم أن يشكر إيران على رفضها ترشيح فرنجية. وعلى البعض أن يشكر إيران والسعودية معاً على رفض جعجع. وعلى الجميع أن يشكرهما على تفجير العلاقات بينهما، ما يعطّل الانتخابات!

ليس دقيقاً القول إنّ التسوية الرئاسية طارت نهائياً مع انفجار الوضع الإقليمي. فإيران قد تسارع، بعد فترة، إلى التقاط الفرصة واستثمار الضغط الذي تمارسه على المملكة العربية السعودية وسائر المنظومة الخليجية، وتبرم صفقات صغيرة في مناطق عدة من الشرق الأوسط، ومنها لبنان، إذا وجدت أنها حصلت على السقف الأعلى الذي تطالب به. وهكذا، قد تكون هناك «فلتة شوط» في قضية رئاسة الجمهورية.

وليس مستغرَباً أن تتمّ صفقة من هذا النوع، ولو كانت العلاقات ملتهبة بين طهران والرياض. ففي منطق المساومات والمقايضات تبدو الاحتمالات مفتوحة. وغالباً ما يكون عقد الصفقات «على الحامي»، في الحروب والأزمات الملتهبة، أسهل من عقدها «على البارد».

وقد تبادر طهران إلى إظهار رغبتها في تسهيل المفاوضات في سوريا، ولو شكلاً، وملء الفراغ الرئاسي في لبنان لكي توحي للمجتمع الدولي بأنها فعلاً جزء من مظلّة الاستقرار الإقليمي، ما يقوّي موقعها دولياً في وجه المحور السعودي- التركي.

وأساساً، يأخذ السعوديون على الرئيس الأميركي باراك أوباما تعاطيه المربك والضعيف مع إيران والرئيس بشّار الأسد، إلى حدّ اتهامه ضمناً بالسكوت عنها أو التواطؤ معهما. فطهران بعد معالجة الملف النووي تتوسّع بمباركة أميركية، والأسد بعد معالجة الملف الكيماوي بات ثابتاً في المعادلة.

إذاً، اللاعبون المحليون، الجدّيون، لم يُسقِطوا من حساباتهم إمكان حصول مفاجآت لبنانية في مرحلة ما، على رغم الزلزال الذي أحدثه إعدام الشيخ نمر باقر النمر بين السعودية وإيران.

فالسعودية وحلفاؤها سلّموا بأنّ موقع رئاسة الجمهورية بات محسوماً لحلفاء الأسد و»حزب الله». وهذا هو السبيل الوحيد ليحصل حلفاء السعودية على رئاسة الحكومة، سواءٌ تمّت الصفقة قريباً أو تأجّلت.

ولكن، في انتظار المعطيات الجديدة- غير المضمونة في أيّ حال- هناك تطبيعٌ للأمر الواقع يسعى إليه الوسطاء، لتمرير الأزمة في الحدّ الأدنى من الخسائر. وهنا تبدو مبادرة الرئيس نبيه بري إلى تحريك العمل الحكومي.

وسيكون الأسبوع المقبل موعداً حاسماً، إذ سيظهر مدى استعداد القوى المسيحية، ولاسيما «التيار الوطني الحرّ»، لتسهيل عمل الحكومة. فـ»التيار» سيساوم هنا للضغط على الجميع للذهاب إلى تبنّي ترشيح عون، متسائلاً: ما داموا جميعاً قد سلَّموا بالمبدأ، أيْ انتخاب رئيس من 8 آذار، فلماذا يُصار إلى انتخاب الماروني «الرقم 2» في هذا الفريق بدلاً من «الرقم 1»؟

ولماذا يرفض السعوديون و»المستقبل» تبنّي عون، ويقبلون بالشخصية المارونية الأكثر تشدّداً وارتباطاً تاريخياً بسوريا الأسد؟ وهل المسألة تتعلّق باستبعاد المسيحي الأكثر تمثيلاً، عن موقع الرئاسة، لغاية معيّنة وهي استضعاف هذا الموقع؟

إطمأنَّ عون إلى أنّ صاحب الكلمة الأولى في 8 آذار، «حزب الله»، لم يتخلَّ عنه لمصلحة فرنجية. وتالياً، أنّ هذا الفريق لن يخالف القرار عندما تحين الساعة الصفر.

وأما من جانب 14 آذار، فبات عون يطمح إلى إقناع الدكتور سمير جعجع بترشيحه. فإذا تحقَّق ذلك، لن تكون هناك ذريعة لدى «المستقبل» للتمسك بفرنجية.

لذلك، يمضي عون في مغازلة جعجع، وفي تقديره أنّ كلمته في الملف الرئاسي لها تأثيرات حاسمة، وأنّ إعلان جعجع دعم عون للرئاسة يمكن أن يخلط الأوراق بقوة.

ويمشي جعجع في اللعبة، ما دامت لعبة انقلابية، وما دام الجميع فيها يرتدي الأقنعة ويناور. وهو لم يجد خسارة في الإيحاء بأنه مستعدّ لتبنّي عون، إذا وصلت الأمور جدّياً إلى انتخاب فرنجية. وتقارب جعجع مع عون يتيح له استيعاب شرائح من شعبيته.

ولكن، عملياً، يقول المطلعون، ليس لعون حظّ في معراب أكثر مما لفرنجية. ويوحي جعجع باعتماد مقولة «أنا وأخي على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب»، أيْ «أنا وعون على فرنجية»… إلّا أنّ عون ليس «إبن عم جعجع»، يقول المطّلعون، وأنّ طرح اسمه كورقة احتياط يهدف فقط إلى إسقاط ترشيح فرنجية.

سيُضطر عون إلى انتظار جعجع كثيراً، إذا كان يراهن عليه. وسيدوم الانتظار ما دام عون محتاجاً إلى مغازلة جعجع، وما دام جعجع يعلن أنه مستعدّ لـ«زواج ماروني» بعون… ولكن من دون تحديد أيّ موعد للعرس. وإذا تمّت زيارة «ردِّ الإِجْر» من الرابية لمعراب، فمن المؤكد أنها لن تنتهي بقول جعجع كلمة «نعم» لترشيح عون.

إنّ احتمال لجوء جعجع إلى مفاجأة من هذا النوع كان يبدو ممكناً، من باب المناورة، عندما كانت المبادرة الرئاسية توحي للبعض بشيء من الجدّية في مراحلها الأولى. وأما اليوم، فإنّ جعجع لن يلجأ إليها بعدما تراجعت حظوظ المبادرة كثيراً. وهو لن يعود إلى المناورة بها إلّا إذا ارتفعت أسهم المبادرة من جديد.

وهكذا، يفرح عون وجعجع لعدم وصول فرنجية، كما يفرح أيّ إثنين منهما بعدم وصول الثالث. وفي الخلاصة، يبدو قادة المسيحيين نائمين على أمجاد تعطيل الاستحقاق، لأنه يبعد كأس اختيار أحدهم على حساب الآخرين.

وهذا الموقف خطر جداً لأنه لا يتحسَّب لمفاجأة إقليمية قد تطرأ وتفرض نفسها على الجميع. ويمكن للقوى المسيحية أن تبادر هي إلى لبننة الاستحقاق. والزعماء المسيحيون قادرون في زمن الغليان المذهبي على الاضطلاع بدور الوسيط بين السنّة والشيعة اللبنانيين، وتثميره لتمرير تسوية عادلة تنهي الفراغ الرئاسي.

القادة الموارنة يتصرفون وفق المقولة المتداولة شعبياً في لبنان: لا يَنتخِبون ولا يُنتخَبون ولا يزيحون من درب القوى التي تأخذ على عاتقها انتخاب الرئيس! والتسوية هنا تقتضي منهم أن يتصرفوا بواقعية، لئلّا يأتي مَن يتجاوزهم ويفرض عليهم التسويات.

وعلى عون وجعجع أن يتذكَّرا: إذا هبّت رياح التسوية فجأة، وفُرضت على الجميع، فلن تكون هناك فائدة من تقاربهما إلّا تبادل التعازي!