لم يكن العالم في حاجة الى تفجيرات بروكسيل ليكتشف استفحال الخطر الذي يشكله “داعش” على العالم. لم تعد حدود سوريا والعراق هي حدود التنظيم الذي باتت له امتداداته من صحراء تدمر والموصل الى سرت الليبية وسيناء المصرية وبن قردان التونسية واسطنبول التركية وباريس وبروكسيل وسان برناردينو الاميركية ومادغوري النيجيرية. انه أيديولوجية قاتلة وإلغائية لا تقارن بأي نوع من أنواع التطرف والتوحش التي عرفها العالم.
أمام هذا الاتساع المخيف لـ“داعش“، لم يعد جائزاً لأي كان أن يربط قيام جبهة عالمية لقتال التنظيم بانتقال سياسي هنا أو هناك، أو ضرب حزب في هذا البلد أو ذاك. ومن يقارن “داعش” بغيره أو من يبرر قيام التنظيم المتطرف بوجود أنظمة أو أحزاب لا تتفق وإياه في الرأي، فإنما هو يبسّط مشكلة الارهاب ولا يريد علاجاً جذرياً لها بل يسعى الى الاستفادة منها خدمة لأهداف سياسية ليست بخافية.
“داعش” يستفحل ويضرب جذوره أكثر في الارض والمجتمعات القابلة لتلقي ايديولوجيته الدينية المتطرفة. ويشعر انه من القوة بحيث يستطيع ان يشل دولة أو قارة ذات صباح أو ذات مساء بحفنة من الانتحاريين أرادوا الوصول الى الجنة الموعودة.
ووقت يشكل “داعش” تعبيراً عن الإنفلات من العقل والمنطق يستقي سلوكه المتوحش من خارج كل السياقات التي عرفها العالم، لا يواجه التنظيم بما يكفي من التنسيق الدولي العملاني لجبهه والقضاء عليه. ولا تزال البلاغة اللفظية هي الغالبة في التصدي لـ“داعش” أكثر من الافعال التي يمكن أن تفضي الى محاصرته والقضاء عليه.
وإلى ان يصير “داعش” أولوية العالم، سيبقى التنظيم هو الاقوى وهو المبادر الى الفعل بينما العالم ينسحب أمامه، منهم من ينسحب اتقاء لخطره، ومنهم من ينسحب تجنباً لدفع الكلفة، ومنهم من ينسحب ظناً أن هذه هي الاداة التي يجب بها محاربة الخصوم في المذهب أو اعتقاداً بأن مسايرة التطرف والسكوت عنه يمكن ان تجنبه الويلات أو ربما ثمة من يعتقد ان في الامكان التخلص من “داعش” بعد ان يستكمل وظيفته.
كل ذلك ضرب من الوهم. وأبلغ مثال على ذلك أن وحش التطرف الذي غيّر وجه العراق وسوريا، كما يفعل اليوم في اوروبا، لن يقف عند حدود أي دولة من الدول حتى تلك الساكتة عن جرائمه أو تلك التي تسهل له الحصول على المال والسلاح والعديد من شتى أصقاع الارض.
والى ان تصير “داعش” أولوية الجميع، سيبقى العالم يفيق أو يغفو على الخراب والعدم الزاحفين إليه.