عندما قال الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى عيد التحرير إن اسرائيل استفادت من تجزئة السلام مع الدول العربية ومن تجزئة الحروب الآن في المنطقة، ودعا الى توحيد الجبهة في مواجهة “الداعشيين” والتكفيريين واسرائيل، فانه لم يسأل عن الاسباب وقد باتت معروفة، وهي ان كلمة الدول العربية لم تكن واحدة في موضوع السلام مع اسرائيل، ولا أمكن تشكيل وفد عربي وفلسطيني واحد لمفاوضتها على هذا السلام لكي يكون شاملاً وعادلاً لأن كل دولة عربية اعتبرت ان وضع الاحتلال الاسرائيلي لجزء من اراضيها ليس واحداً، كما ان قرارات مجلس الامن لتحريرها لم تكن واحدة ايضاً، لذلك توصلت اسرائيل الى اتفاقات سلام منفردة، مع مصر عرف باتفاق “كمب ديفيد” ومع الاردن وعرف باتفاق “وادي عربة” ومع السلطة الفلسطينية وعرف بـ”اتفاق اوسلو”، ما جعل الحروب مع اسرائيل حروباً مجزأة وليست واحدة حاسمة. لذا تعذرت استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وصار موقف المفاوض مع اسرائيل ضعيفاً والمفاوضات عقيمة تدور في حلقة مفرغة منذ سنوات طويلة. حتى ان المقاومة والعمليات العسكرية توقفت التزاماً لقرارات مجلس الامن الدولي. ففي الجولان أوقفها اتفاق “فك الاشتباك”، وفي الجنوب اللبناني أوقفها الالتزام للقرار 1701. وهكذا نجحت اسرائيل في عقد اتفاقات منفردة مع كل دولة عربية وحالت دون عقد سلام شامل وعادل بواسطة وفد عربي – فلسطيني مشترك. وها هي تستفيد اليوم من حروب داخل دول عربية جعلت كل دولة تنشغل بها عن اي امر آخر، وتقلع شوكها بيدها واسرائيل تتفرج عليها بفرح… فكيف يدعو السيد نصرالله الى جبهة واحدة لمواجهة اسرائيل وتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وكل دولة عربية منقسمة على نفسها سياسياً وعرقياً ومذهبياً، ما جعل الجيوش فيها تتشرذم وتتقهقر امام المجموعات الارهابية والتكفيرية؟ وكيف يدعو الى قيام جبهة واحدة للمواجهة وفي لبنان جبهات تتصارع سياسياً ومذهبياً وكلامياً ولا أحد يعرف متى تتحارب وتتقاتل فيصيب لبنان ما أصاب العراق وسوريا وليبيا واليمن؟ وكيف للسيد نصرالله ان يدّعي حماية شركائه في الوطن اذا انتصر وكأن لا دولة تحمي الجميع من الجميع…؟ وكيف تقوم مثل هذه الجبهة الواحدة ولبنان بلا رئيس وتحكمه رؤوس… ولا اتفاق على اهداف الجبهة ولخدمة من؟ فمقاومة “حزب الله” ما كانت لتربح “حرب التحرير” على اسرائيل عام 2000 لو لم تكن الوحدة الداخلية هي السلاح الامضى في تلك الحرب، ولم تكن لتربح حرب تموز عام 2006 ايضاً لو لم تكن تستند الى هذه الوحدة التي من دونها لن تربح الجيوش ولا المقاومون حرباً ضد أي عدو.
لذلك على “حزب الله” ان يسهّل انتخاب رئيس للجمهورية قبل اي امر آخر لأن كل بيت بلا سقف غير صالح للسكن، وكل بيت ينقسم على نفسه يخرب… فالجبهة الواحدة التي يدعو السيد نصرالله الى اقامتها لمواجهة “الداعشيين” والتكفيريين واسرائيل تحتاج الى وحدة داخلية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وبالاتفاق على تحديد اهداف هذه الجبهة بحيث تكون خدمة للبنان أولاً واخيراً، وليس خدمة لسواه، وان تكون بقيادة مؤسسات وليس بقيادة اي حزب أو طائفة والادعاء بحماية الآخرين عند الانتصار، اذ لا حماية للجميع من الجميع غير الدولة القوية القادرة والعادلة.
واذا كان السيد نصرالله لا يزال يعتبر ان معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” هي معادلة ذهبية، فان سواه لا يعتبرها كذلك ما دام الحزب هو الآمر والناهي وحده، وكأن لا وجود لجيش ولا لشعب في هذه المعادلة. فكيف يمكن مع وضع شاذ كهذا في لبنان توحيد الجبهات لخوض حرب واحدة ضد اي عدو ولا تظل كل جبهة تخوض حروبها وحدها ولأهداف خاصة بها؟
إن اكبر خدمة يسديها “حزب الله” للبنان هي في ان يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية توصلا الى حل كل ازماته وجعل كل المواضيع بعد انتخابه قابلة للبحث
تتواجه وتتصارع. فاذا لم نبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، فقد لا تبقى جمهورية ولا جمهور فيها بل مهاجرون ومهجرون. وليعلم الحزب ان الوحدة الوطنية في كل دولة هي السلاح الامضى للانتصار على العدو، ومن دونها لا تقوم دولة ولا تكون سيادة ولا استقلال، بل بيئة حاضنة لعدو خارجي لا حبّاً به بل نكاية بعدو داخلي…