الاتصالات بين وليد فارس مستشار الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، وعدد من اصدقائه اللبنانيين في فريق 14آذار، بعد ساعات على هزيمة هيلاري كلينتون، لم تكن مبشرة، اعتراض هؤلاء على «التسوية» الرئاسية دفعهم الى محاولة استشراف استراتيجية الرئيس الجديد تجاه لبنان، وكان ثمة رهان على وجود سياسة عملية واضحة تعيد التوازن المختل الى الساحة الداخلية، وكان هؤلاء يريدون دعما عمليا لوجهة نظرهم القائلة ان الرئيس سعد الحريري استعجل القبول «بالمقايضة» «المهينة»، وكانوا يريدون الحصول على اجابات تدعم وجهة نظرهم القائلة انه كان الاجدى الانتظار الى ما بعد الانتخابات الاميركية لتحسين الشروط ومنع الرئيس ميشال عون من دخول بعبدا..
لكن ما حصلوا عليه من اجابات يبيّن، بحسب اوساط مقربة من هذا الفريق، ان لبنان ليس على خارطة ترامب، الداخل الاميركي يشكل الاولوية، الموقف من الاتفاق النووي مع ايران لن يكون عاملا مؤثرا في الشأن اللبناني، تبقى الاستراتيجية «الصادمة» بخصوص الحرب في سوريا، ثمة تماه كبير مع الاستراتيجية الروسية، وفي نهاية المطاف تحت عنوان هزيمة «الارهاب» سينتصر النظام السوري وحلفاؤه…في الخلاصة اكتشف هؤلاء ان توقيت قبول الحريري بالتسوية مناسب تماما، والانتظار سيكون اكثر كلفة، المملكة العربية السعودية تبحث عن «مظلة» تحميها من «رؤى» «وافكار» الرئيس الاميركي الجديد، لا تملك اعطاء ضمانات لأحد، طبعا 14آذار لا يمكنها الرهان على ضمانة سياسية في واشنطن، ثمة استراتيجات كبرى «ولعبة مصالح» تتجاوز ادوار المستشارين…اذا اين «مظلة «هؤلاء ومن يحفظ ادوارهم؟ ولماذا اصبح الانتصار لمحور المقاومة في سوريا اقرب من اي يوم مضى؟
عندما تتحدث اوساط ديبلوماسية غربية عن محاولات حثيثة ومضنية ستقوم بها لندن الحليف الاول لواشنطن في اوروبا، لإقناع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بضرورة استمرار سياسة إداراة باراك أوباما على الساحة السورية، فهذا يعني ان ترامب لا يكتفي «بالثرثرة» بل سيحول اقواله الى افعال، لندن باتت على عتبة «أزمة دبلوماسية» مع واشنطن على خلفية خطط ترامب الرامية إلى التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم «النظام السوري»، وينتظر الدبلوماسيون البريطانيون «مفاوضات معقدة وصعبة جداً مع ترامب في الفترة المقبلة حول موقفه تجاه روسيا وسوريا… هذه خلاصة التقارير الواردة من «عاصمة الضباب»، فلماذا كل هذا التوتر؟
الترجيحات والمعلومات الدبلوماسية، تتوقع تطورات دراماتيكية في سوريا، الاتفاق الروسي مع ادارة اوباما بات بحكم «الميت»، موسكو ستذهب الى النهاية في معركة حلب بعد ان باتت تعتبر نفسها على خط واحد مع «واشنطن الجديدة»، حركت اسطولها العسكري لفرض وقائع ميدانية استباقا للانتخابات الاميركية التي كانت ترجح فوز كلينتون، ارادت استباق تسلم الادارة الجديدة بفرض وقائع غير قابلة للمساومة، اصبحت اليوم اكثر ارتياحا بعد وصول ترامب، لم تعد «مكبلة» بخطوط «حمراء» اميركية كان مقدراً لها ان تبطئ حركتها في سوريا لو استمر الديموقراطيون في البيت الابيض، موسكو لا تريد الغرق في «الوحول» السورية وتعمل جاهدة لفرض اجندة تسوية من «بوابة» حلب، كانت في صدد اللعب في الوقت المستقطع بين رحيل اوباما ودخول كلينتون الى البيت الابيض في ال20 من كانون الثاني المقبل لانها تعتقد ان عملية نقل السلطة ستؤدي الى جمود اميركي طبيعي ومنطقي حيث لا تورث ادارة راحلة الادارة الجديدة قرارات استراتيجية وحاسمة تتعلق بالسلم او الحرب، لكنها الان ستذهب بالتشارك مع طهران وحزب الله الى مواجهات حاسمة دون سقف زمني محدد وضاغط…
واولى المؤشرات التعليمات المفاجئة من قبل الرئيس اوباما للقيادة العسكرية والامنية الاميركية لتصفية قيادات «جبهة النصرة» في سوريا، وهو قرار تأخر كثيرا بسبب الضغوط التي تعرض لها الرئيس الاميركي من قبل حزبه للتنصل من اتفاقه مع الروس لان خليفته المفترضة في البيت الابيض كانت لها اجندة مختلفة تقوم اولا على الاستثمار في هذا التنظيم لمقارعة الروس، ولم تكن للرئيس الذي كان يستعد لحزم حقائبه القدرة على معارضة هذه الاستراتيجية التي لم تكن جزءا من قناعته، لكن ضغط «السي اي ايه» على مراكز القرار في واشنطن كان حاسما، وبحسب المعلومات كان من المقرر بعد فوز هيلاري كلينتون ان يبدأ أوباما باتخاذ اجراءات ميدانية على الساحة السورية قد لا تغير جذريا موازين القوى على الارض، ولكنها كانت كفيلة بقلب الموازين الحالية، اي وقف تقدم الجيش السوري وحزب الله، ورسم حدود لهذا التقدم، اي بمعنى آخر الحفاظ على «قواعد الاشتباك» الراهنة مع موسكو، بانتظار الادارة الجديدة التي كان على اجندتها عدم الانزلاق الى مواجهة عسكرية مباشرة مع الروس، لكنها وضعت الخطط التفصيلية لـ «حرب الوكالة» الدائرة حاليا، عبر تعزيز دور دول الاقليم بدءا باعادة الاعتبار للعلاقة مع تركيا، وزيادة حجم التنسيق معها بعد «الفتور» الذي اعترى تلك العلاقة على خلفية الانقلاب الفاشل في البلاد، وهو ما سمي لدى الفريق العامل مع كلينتون بعملية «استعادة انقرة»، كما كان على جدول الاعمال اعطاء المزيد من الزخم للدور السعودي من خلال رفع «الفيتوات» القائمة على توريد بعض انواع الاسلحة «الفتاكة» للمعارضة السورية. كل هذه الاستراتيجيات باتت من الماضي، ووجد الرئيس الاميركي الحالي نفسه امام فرصة لاتخاذ قرار خارجي منسجم مع قناعاته ويمهد الطريق للادارة الجديدة التي ليس ضمن اجندتها الاستمرار في رعاية تنظيم «القاعدة» واخواتها…
هذا في الشق العسكري اما سياسيا، اذا كان الروس قد اتفقوا مع الادارة السابقة على استمرار الرئيس بشار الاسد في موقعه الرئاسي لمرحلة انتقالية مدتها 18 شهراً تجري بعدها انتخابات رئاسية، يكون لديه الحق في الترشح، وكانت المعضلة الاساسية من يشارك فيها، السوريون المقيمون فقط، ام النازحون، هذه الاشكالية لم تعد قائمة الان مع الادارة الاميركية الجديدة التي لا تعتبر ان هناك حاجة لتاكيد شرعية الاسد قبل القضاء على الارهاب، ما يعني ايضا ان الاسد باق حتى انتهاء ولايته الرئاسية، واي حوار جدي مع المعارضة «المعتدلة» سيكون في اطار «سقوف» منخفضة» تدخل تغييرات جوهرية على شكل الحكم وليس مضمونه، وهذا أمر يقلق المعارضة السورية والرعاة الاقليميين وخصوصا السعودية وتركيا… كما يقلق الفريق اللبناني الذي انساق وراء «اوهام» حتمية سقوط النظام..
وامام هذه المعطيات، تؤكد اوساط 8 آذار،ان موسكو ومحور المقاومة لن ينتظرا كثيرا، على اجندتهما خارطة طريق تجعل الحرب في سوريا في اطار مقاربات جديدة تعّجل الانتصار الذي وعد به الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لن تكون عودة حزب الله من سوريا عامل استقواء في الداخل، عندئذ لن تكون القوى السياسية اللبنانية المناهضة للدولة السورية بحاجة الى البحث عن «مظلة» او «ضمانة» يكفيها ما قاله السيد نصرالله في ذكرى التحرير عام 2015 عندما قال «اذا انتصر النظام السوري ومن معه سيشكل حزب الله ضمانة لكل اللبنانيين»، مضيفا: «لا تخافوا من انتصار حزب الله بل خافوا من هزيمته»… طبعا السيد عندما يعد يفي بوعده سيكون «المظلة» الضامنة والحامية لدور هؤلاء على الساحة اللبنانية، ليس في الامر مكافأة لأحد او اعجابا به، وانما حماية لوحدة وطنية، واستقرار داخلي، يبقيان ضروريين لحماية المقاومة، ودورها داخل الحدود وخارجه…