إن الشجاعة تغلب القوة أحياناً.
هذا ما أثبته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مواجهة الرئيس الأميركي باراك أوباما على الحلبة السورية حتى الآن.
تعجز الإدارة الأميركية الحالية عن تصديق ما تراه من هجوم روسي في النزاع السوري، وتراهن على أن الكرملين لن يستطيع الإستمرار طويلاً في مغامرته بسبب ضعف إمكانات الإقتصاد الروسي.
فالروبل انخفض بنسبة 48,5 في المئة خلال عام تقريباً في مقابل الدولار الأميركي.
والناتج القومي الروسي يخسر 9 في المئة نتيجة العقوبات الأميركية والغربية على روسيا لتدخّلها في أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم العام الماضي.
وغارات الطيران الحربي الروسي في سوريا تكلّف 2 مليون دولار يومياً.
وأسعار النفط انخفضت بشكل دراماتيكي وتركت أثاراً سلبية عميقة في الإقتصاد الروسي. وفي المقابل سُجّلت حركة هروب رساميل روسية الى الخارج.
على هذه المعطيات تبني الديبلوماسية الأميركية حساباتها، وبالتالي تعتبر أن موسكو لا تستطيع أن تتحمّل وقتاً طويلاً، وإنه عاجلاً ما ستَدفع الأكلاف الإقتصادية والسياسية والأمنية بوتين الى إعادة تقييم سياساته، خصوصاً وإن روسيا صُنّفت في المرتبة 136 بين 175 دولة من الناحية الإقتصادية في العام 2014، وإن نمو الناتج القومي الروسي المتوقّع للعام 2016 لن يتعدّى 0,6 في المئة.
في الموازاة، تتمعّن واشنطن في قراءة أرقام إستطلاعات الرأي، وأبرزها:
• إن 73 في المئة من الروس غير راضين عن إقتصاد بلدهم، لكن المفارقة أن 70 في المئة راضون عن إدارة بوتين.
• إن 41 في المئة من الروس يخشون أن تمتصّ العمليات العسكرية في سوريا الأموال اللازمة لحل المشاكل الإقتصادية في روسيا، وإن 39 في المئة يخشون مقتل جنود روس أو وقوع هجمات إرهابية داخل الأراضي الروسية.
غير أن واشنطن لم تكتفِ بما أصيبت من حَرَج لإنكفائها في مقابل إندفاعة الروس، فانتقلت الى اتخاذ خطوات عملية سواء على الصعيد السياسي بإطلاق حوار (مشكوك في نتائجه) في فيينا، أو على الصعيد العسكري:
1-دفع أوباما بخمسين من مقاتلي النخبة الأميركية الى الشمال السوري في مهمات تدريب ودعم وتقديم الإستشارات العسكرية والأمنية في إطار محاربة «داعش».
2-الإنطلاق في أضخم مناورة عسكرية منذ أكثر من 13 سنة، في مياه البحر المتوسط، سُمِّيت «منعطف ترايدنت» (كانت معدّة مسبقاً) بمشاركة 30 دولة و36 ألف ضابط وعسكري و140 طائرة مقاتلة و60 سفينة حربية، بدأت في 19 تشرين الأول وتنتهي في 6 الشهر الجاري، للردّ على تنامي القوة العسكرية الروسية وإعداد قوّة للردّ والتدخّل السريع للناتو قوامها 5 آلاف عسكري مدعومون بمقاتلات وسفن وقادرون على التحرّك خلال 48 ساعة في أي منطقة بما فيها ليبيا وسوريا.
تعترف واشنطن، أن الظروف الميدانية تغيّرت على المستويَين العسكري والسياسي، وأن هناك حاجة الى نهج جديد.
اللعبة ما زالت في بداياتها ومفتوحة على كثير من الخيارات.
ماذا سيفعل بوتين؟