يَجهد المعنيون بملف التمديد الى إعطائه هذه المرة نكهةً وطنية وتوفير أوسع غطاء إسلامي – مسيحي له في الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية ولايةٍ ممدّدة لم يُنجِز فيها ما وعَد اللبنانيين به. فكان اللجوء الى الميثاقية سبيلاً الى هذا الإجماع، ما أحيا حواراً عن تجاهل هذه الميثاقية عام 1992. فما الفارق بين الأمس واليوم؟
يعتقد نوّاب كثر أنّه لم يكن أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلّا العودة الى مقتضيات «الميثاقية» الوطنية لملاقاة إصرار الرئيس سعد الحريري على التمديد. فلا يُمكنه المضي في المطالبة بإنتخابات نيابية وهناك مكوّن مذهبي يرفضها وصولاً الى التهديد بسحب الترشيحات ومقاطعة الإنتخابات، تزامناً مع نَعي وزير الداخلية نهاد المشنوق باكراً إمكانية إجرائها.
على هذه الخلفيات، لا يخفي اللبنانيون اقتناعهم بأنّ الدعوة الى إجراء الإنتخابات النيابية هي مجرّد أضغاث أحلام. فالظروف التي رافقت التمديد الأول عام 2013 لم تتبدّل، لا بل هناك مَن يعتبر أنّها باتت أسوأ من قبل.
فالإجماع اللبناني متوافرٌ في السرّ والعلن على التمديد، ويجمع عليه اللبنانيون من طرَفَي النزاع. وقد ذهب البعض أبعد من ذلك، فرأى في مواقف الداعين الى التمديد ورافضيه مجافاةً للحقائق.
فالتمديد المطروح اليوم لا يجب أن يُفاجئ أحداً، فعند التمديد الأول في حزيران 2013 قيل بوجوب التحضير للتمديد الثاني المطروح اليوم بمجرّد ربطه في حينه بالأزمة السورية وتعديل موازين القوى للخروج من المعادلة النيابية السلبية بين «8 و14 آذار»، وهو أمر سيطول انتظاره.
والأخطر من ذلك أنّ هذا الربط لم يقف عند الإنتخابات النيابية إلّا بعدما سقطت الإنتخابات الرئاسية بالمعادلة عينها. وبات الخروج منها رهناً بما يمكن أن تنتجه مساعي حلّ الأزمة السورية التي تتّجه الى مزيد من التعقيد بعد نشوء التحالف الدولي ضدّ «داعش» و«النظام السوري» معاً، وهو ما أبعَد الحلول المرجوّة الى ما لا يمكن توقعه من اليوم.
وعليه، ليس صعباً أن يفهم المراقبون أنّ دعاة التمديد ورافضيه هم على اللائحة عينها. فالطرفان عاجزان عن تحقيق ما يريدانه. ولذلك باتا معاً على لائحة الذين يُتقنون المزايدات طالما أنّ مواقفهما بُنيت على قواعد لا تقنع في جوهرها وشكلها وتوقيتها أيَّ صاحب عقل ومنطق.
فالذين يدركون الحقائق، فضّلوا الصمت على الدخول في الجدل على جنس الملائكة. وهم يدركون أنّ الجميع يلعب على حافة الهاوية. ويعتقد البعض منهم أنّ ربط لبنان بحرائق المنطقة، وَضعَ الإستحقاقين الرئاسي والنيابي في مهبّ الريح، وأنّ ما يحصل اليوم عملية تجميل لن تنفع في شيء، فما يُخفّف من سلبيات ذلك هو المظلة الخارجية التي يتمتع بها لبنان، والحاجة الدولية الى الحدّ الأدنى من الأمن والإستقرار فيه لا أكثر ولا اقلّ.
نظراً إلى كونه المعبر الإجباري للمتعاطين بالملف السوري من الدول والمؤسسات الأُممية، ولأنه منطقة قريبة من اللهيب السوري تتّسع لكلّ أشكال المفاوضات والصفقات القائمة في السرّ والعلن، سواءَ على المستوى الديبلوماسي أو المخابراتي، وليس سهلاً التضحية به وضمّه الى بقعة النيران المستعِرة على الأراضي السورية بأدواتها من النظام ومعارضيه وأنصارهما.
وعليه، يرى العالمون بحقائق كثيرة، أنّ المقارنة بين ميثاقية 1992 واليوم لا تجوز. فبنظر البعض أنّ لبنان يومها كان مغلوباً على أمره وواقعاً تحت الوصاية السورية ومظلّة دولية غير مرئية. ولذلك كان تجاوز حقّ المسيحيين بالميثاقية التي يتظلّلها السنّة اليوم سهلاً في غياب وحدتهم وتضامنهم، وهو امرٌ لم يتغيّر سنة 2014.
في وقت ارتفعت نسبة الوحدة والتضامن لدى السنّة في مواجهة الوحدة الشيعية، وهو ما أعاد إلى «الميثاقية» حجمها وأهميتها في إبعاد الإنفجار الداخلي الى حين، وهو أمرٌ لم يكن له أيّ حساب عام 1992. وفي النهاية، وإذا لم يتغيَّر شيء في المعادلات الإقليمية والداخلية، هناك مَن يعتقد أنّ التحضير للتمديد الثالث لن يكون أمراً مستهجناً، لكنه مؤجّلٌ الى حزيران 2017.