لا يكفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يعلن ان “موسكو لا تريد التدخل في أي نزاع ديني في سوريا” وان “الرأي القائل بأن روسيا تقف في الحرب في سوريا الى جانب الشيعة ضد السنة هي فرضية وطرح خاطئ لانها لا تميز بين السنة والشيعة”. ذلك ان العامل الأهم مما يقوله بوتين في هذا الجانب هو الانطباع الذي تركه في اعلانه في حديث تلفزيوني في نيويورك في اثناء مشاركته في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة من انه تدخل عسكرياً لانقاذ بشار الاسد، ما جعله حكما في خانة “المحور الشيعي” ضد “المحور السني” في المنطقة. فها هم الشيعة في العراق يهللون للدعم الذي تقدمه روسيا الى الاسد، ووفق تقارير اعلامية نقلتها صحف غربية كبرى أضحى اسم الرئيس الروسي “الشيخ بوتين”. ويصعب الا يصب التهليل الشيعي في خانة استفزاز السنة واثارة حساسيتهم في ظل ما تشهده المنطقة من صراع مذهبي حاد يعززه الخلاف السعودي – الايراني. وقد انتقلت عدوى الفرح من هذا الاصطفاف الروسي في الخط “الشيعي” الى بيروت بالذات. اذ حمل مناصرون للزعيم المسيحي العماد ميشال عون صورا للرئيس الروسي مهللين لتدخله العسكري لانقاذ النظام السوري في ذكرى هي للمفارقة ذكرى اطاحة النظام السوري بالذات زعيمهم من قصر بعبدا ووضعه اليد نهائياً على البلد قبل 25 عاماً، لاعتقاد هؤلاء الساذج على الارجح بان ترجيح كفة الرئيس السوري والمحور الشيعي مع ايران و”حزب الله” سيؤدي الى تغيير المعادلة السياسية في المنطقة وتاليا في لبنان لمصلحة الفريق الذي تدخل الروس من اجله. الامر الذي قد يؤدي الى وصول زعيمهم الى قصر بعبدا مجددا جنبا الى جنب مع انقاذ الاسد.
وسيكون صعباً على بوتين ان يدحض انعكاسات الضربات العسكرية التي يوجهها الى المعارضة السورية المعتدلة تمهيداً لاستعادة جيش النظام السوري بعض المدن والمواقع ما قد ينقذ موقعه على طاولة المفاوضات ويعزّز أوراقه ازاء معارضيه. لكن قبل الوصول الى طاولة المفاوضات التي لا تبدو قريبة وان كانت هدفاً نهائياً محتوماً، فان الروس تبلّغوا بعد عشرة أيام على بدء عملياتهم العسكرية الداعمة للأسد جملة مواقف الى جانب الواقع العدائي الذي بدأ يترجم على الارض في اصطفاف قسري لا يمكن دحضه كلياً ما دام اعلن عن غرفة عمليات مشتركة في بغداد تضمه وايران والعراق وسوريا فضلا عن ان الصواريخ التي وجهها من بحر قزوين انما استند فيها الى تعاون ” حلفائه” في ايران والعراق لكي تمر هذه الصواريخ فوق اراضيهم مستهدفة المعارضة السورية وهي تنتمي الى الطائفة السنية في غالبيتها. هذه المواقف جاءت من المملكة السعودية التي ابلغت موسكو صراحة عزمها على متابعة تقوية المعارضة السورية المعتدلة ودعمها لها محذرة الرئيس الروسي من انعكاسات خطيرة نتيجة الاصطفاف المذهبي الذي اعتمدته روسيا في تدخلها العسكري. اذ ان ما اعلنته السعودية في هذا الاطار يدحض مساعي بوتين لاظهار ان لقاءاته مع ولي ولي العهد السعودي ووزير خارجية المملكة كما لقاءه مع ولي عهد ابو ظبي يمكن ان يظهر التواصل مع الدول السنية المؤثرة وان ليس هناك خلافات جدية بما يمكن روسيا من متابعة سعيها الى انقاذ الاسد.
في أي حال، تقول مصادر ديبلوماسية ان ثمة التقاء عربياً غربياً على وضع الخطوط العريضة للموقف من التدخل الروسي بحيث ان الاتحاد الأوروبي لم يلبث بدوره ان اطلق مواقف غداة اللقاءات السعودية الروسية في سوتشي تحذر روسيا من تجاوزها مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية الى محاولة تدمير المعارضة السورية ومشددة على سقوف معينة لبقاء الاسد في المرحلة الانتقالية. لا بل ان الموقف السعودي محوري في هذا الاطار جنباً الى جنب مع الدول الخليجية السنية وحتى مع موقف تركيا التي استفزتها موسكو أيضاً في اطار رسمها الحدود من أجل انقاذ الاسد. وهذا في حده الأدنى أي عزم موسكو على استمرار عملياتها العسكرية في مقابل دعم السعودية والدول الداعمة للمعارضة لهذه الاخيرة، علماً ان الولايات المتحدة اندفعت خجلا على الارجح الى رمي 50 طناً من الذخائر للمعارضة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، يعني استمرار التصعيد على الارض في مقابل التصعيد الروسي. وهذه الحرب بالواسطة يخشى ان تتحول حرب استنزاف بحيث ان تقوية طرف سيقابله تقوية الطرف الآخر على نحو يشبه دائرة مقفلة لا خروج منها حتى ينهك الجميع ويقتنعوا بالجلوس الى طاولة المفاوضات ما لم تتحول الساحة السورية في ضوء استمرار المواقف على حالها الى ساحة عداء للروس كما كان العراق بالنسبة الى الاميركيين بعد احتلالهم العراق. وتخشى هذه المصادر ان تكون روسيا قد استفادت من فترة سماح نسبية في ضوء الصدمة التي أحدثها تدخلها العسكري المباشر لدى العرب والغرب على حد سواء في الأيام العشرة الأولى لبدء هذا التدخل حيث انتشلت الاسد من لجة الانهيار في ظل صمت لافت من الدول العربية في شكل خاص على ما فهمته استهدافا للسنة واصطفافا مع ايران. لكن الامور قد لا تبقى على ما هي عليه بعد تحديد المواقف واعلانها.