حسابات صعبة في زمن التغييرات المعقّدة
كيف يطمئن المسيحيون في صراع إسلامي؟
لم يكن لبنان افضل من معظم محيطه، لكنه اختزن غالبا افضل ما في ذاك المحيط في محاولاته تلمس بناء دولة ومجاراة الحداثة بمفاهيمها الديموقراطية.
لم يعرف البلد الصغير يوما استقلالا ناجزا ينسحب على خياراته ومواقفه، ويراعي فقط مصالحه ورفاهية شعبه.
ليس جديدا التأشير الى تأثير الخارج على الداخل في تحديد بوصلة الطوائف والاحزاب وموازين القوى. لكن الامور بلغت اليوم حدا يدعو الى القلق الجدي على البلد، ووجوده ككيان موحد ومستقل. فالعالم العربي يعيش تطورات غير مسبوقة، فيها كل بذور التغيير. التغيير الذي قد لا يعني بالضرورة تطورا ايجابيا، لكنه يصدّع الثوابت القائمة ويهز الاسس التي تشكلت وشكلت العالم العربي منذ نحو قرن.
فكيف ستكون تداعيات هذا التغيير على لبنان؟ هل يبقى منيعا على التفجير؟ هل يحتفظ بـ 10452 كيلومترا مربعا كوحدة اختبار لمتعة ومشقة العيش معا؟ هل يملك مقومات الصمود امام العواصف الامنية والطائفية والاقتصادية وحتى الاجتماعية؟
لا تبدو الاجابة عن جزء «تفصيلي» من الصورة سهلة، وسط ضبابية المشهد العام. ومع ذلك، تنهمك مجموعات سياسية وفكرية، تدور في فلك الكنيسة المارونية في السعي الى بلورة بعض من الصورة. في تشخيص هؤلاء ان «ما يواجه لبنان والمنطقة تحديين احلاهما مرّ. الاول يتمثل بتهديدات المجموعات الاصولية المتطرفة والثاني الصراع السني ـ الشيعي. يتداخل هذان العنصران بطريقة او باخرى، ويتغذى احدهما من الآخر». يضيف احد الطامحين السياسيين الموارنة والقريب من بكركي ان « هذين العنصرين المفجرين يعيشان في قلب لبنان وعلى حدوده. لم تعد المكابرة مفيدة. نحن نستورد كل ادوات الصراع ونعيد تصديرها مع اضافات لبنانية خاصة. الخوف الا نبقى ممرا، بل نتحول مقرا لانفجار كبير يودي بكل مساعي احتواء تداعيات الصراعات».
ويؤكد زميل له في اطار النقاش حول اوراق عمل ومشاريع يجري تداولها للخروج بورقة موحدة ان «على اللبنانيين ان يقتنعوا ان المنطقة بانظمتها وجغرافيتها وحدودها وتداخلاتها تتغير، وهذا سيطال لبنان بطريقة او بأخرى. وبقدر ما يجد اللبنانيون سبلا لتحصين وتحييد بلدهم بقدر ما يضاعفون احتمال النفاذ بحد ادنى من الخسائر».
لكن المتحاورين الذين انطلقوا في نقاش مستفيض من «اعلان بعبدا» و «لقاء الجمهورية»، والذين تباحثوا في اوراق عمل تعمل عليها «مجموعات مدنية» اخرى تحت عناوين ومسميات مختلفة، لم يتوصلوا بعد الى ورقة مشتركة يحملونها الى «من يعنيهم الامر».
يتفق هؤلاء على «الخوف الكبير مما نحن مقبلون عليه». وهم حاسمون بأن «لا خلاص لفئة او طائفة من دون اخرى في لبنان». ومع ذلك فهم يعملون على «التفكير في كيفية ترتيب الوضع الداخلي المسيحي، كأولوية لترتيب العمارة اللبنانية. بحسب الواقع الراهن اليوم فان احساسا يجتاح كثرا من المسيحيين بانهـم يذهبـون «فرق عملة» في صراع عصي نسبيا على فهمهم. والخوف ان يشهد لبنان هجرة مسيحية جديدة غير مسبوقة في حال اخذ الصراع اشكالا اكثر عنفية، وهو ما ليس مستبعدا. بالتالي فاننا نحتاج الى ايجاد اجوبة على سؤالين حاسمين: كيف يمكن تجنيب لبنان دفع اثمان التغييرات الكبيرة والصراعات المريرة في المنطقة؟ وكيف يمكن دفع المسيحيين الى الاسهام في خلق جسور تثبتهم في ارضهم ووطنهم من جهة وتسمح لشركائهم المسلمين بالعبور عليها والتلاقي؟».
يستفيض الملتقون في اسئلة لا تقل اهمية عن السؤالين السالفين. لكن تبقى العبرة في امكانية الوصول الى اجوبة ناجعة. فالتجارب الكثيرة والمتعددة السابقة انتهت اما الا اوراق منسية في ادراج مكاتب مقفلة، او حتى لم يبصر حبرها النور على الورق.