قد تكون إسرائيل المستفيد الاساسي من “داعش” من غير أن تتعرض، حتى الآن على الأقل، لخطر موجة الارهاب الجهادي التي تضرب حالياً أوروبا.
في اليومين الأخيرين شاهدنا كيف عملت إسرائيل على توظيف الهجمات التي وقعت في بروكسيل كي تؤكد للعالم أن ما يجري عندها من عمليات طعن ودهس يقوم بها فلسطينيون أفراد تعبيراً عن رفضهم لسياسة الاحتلال وعن يأسهم، هو ارهاب من النوع عينه الذي تعانيه أوروبا. وقد بلغ الكذب والافتراء الذروة عندما قارن نتنياهو “الهبّة الفلسطينية” التي ليست لها اية صلات بتنظيمات معروفة من اي نوع كان ولا سيما منها الجهادية بعمليات “داعش” الاجرامية، وشبّه حلم الفلسطنيين بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بسعي الداعشيين الى اقامة الخلافة الإسلامية، مستغلاً الصدمة التي أحدثتها هجمات بروكسيل كي يؤجج مشاعر الكراهية والعداء للفلسطينيين الذين سلاحهم الوحيد سكاكين مطبخ ومقصات.
لكن الخدمة الاساسية التي يقدمها ارهاب “داعش” لإسرائيل بصورة خاصة تتجلى في الانعكاسات الخطيرة والبعيدة المدى على التسوية السلمية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وعلى الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.
تتذرع حكومة بنيامين نتنياهو بتدهور الأوضاع في المنطقة وتفكك دول مثل سوريا والعراق وصعود التيارات الجهادية كي تدّعي أن الوقت الآن ليس ملائماً لتسوية سياسية تأخذ شكل حل الدولتين لشعبين، لأن أي انسحاب إسرائيلي سيفتح الباب أمام دخول التنظيمات الجهادية الى الضفة.
وهي تستغل واقع الاقتتال الاهلي والطائفي في الدول العربية المجاورة كي تتوجه الى الفلسطينيين قائلة: انظروا الى بحر الدماء الذي تغرق فيه شعوب المنطقة، إن وضعكم بالمقارنة معهم أفضل بكثير.
وفي الواقع ان اهالي غزة البالغ عددهم مليوناً و800 الف نسمة، والذين يعيشون منذ سنوات في سجن كبير جراء الحصار الذي فرضته إسرائيل عليهم، يبقى وضعهم أفضل من وضع الشعب السوري الذي تحول نصفه الى لاجئين هائمين على وجوههم على طرق أوروبا، هذا اذا حالفهم الحظ ولم يبتلعهم البحر.
أما سكان الضفة الغربية، فعلى رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي والعيش تحت رحمة الحكومة الإسرائيلية وجيشها، فان ظروف حياتهم أفضل من حياة أهالي غزة، وبالتأكيد أفضل من حياة السوريين والعراقيين والليبيين. والمرعب أن هذا المنطق بدأ يترسخ حتى في أذهان المقاومين السابقين الذين ينظرون الى هبّة الشباب الفلسطيني بعين الشك، ويرون فيها تهديداً للاستقرار الهش الذي يعيشون في ظله.
إنها نكبة جديدة يتسبب بها “داعش” قد تكون أفظع وأشرس من نكبة فلسطين، وهي تشمل جميع شعوب المنطقة.