IMLebanon

كيف يخدم العدو عدوه بتقاطع المصالح حول قضية «قلب لوزة»؟

«ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد» (المتنبي)

من التواريخ التي سعت المخابرات الإسرائيلية الى طمسها كان سنة ، عندما زار «أدولف إيخمان»، الضابط النازي الموكل بملف ترحيل اليهود من ألمانيا، فلسطين. أحد الذين التقاهم في فلسطين كان مساعد «زئيف جابوتنسكي» زعيم منظمة «هاغانا» اليهودية العنصرية، والتي كانت نواة الجيش الإسرائيلي والمسؤولة المباشرة عن المجازر التي لحقت بشعب فلسطين. لم يكن مساعد جابوتنسكي محباً للنازية، ولا إيخمان يضمر الخير لليهود، لكن الأول قال له مرحّباً: «إن سياسة دفع اليهود إلى هجرة ألمانيا مفيدة لنا لأن الكثيرين منهم يأتون إلى فلسطين وبالتالي فهم يعدلون الديموغرافيا لصالح اليهود!». 

فأجابه إيخمان بشكل صارم: «وهكذا تكون الإفادة للطرفين!«.

لا أحد يمكنه أن يتخيل أن إيخمان كان فعلاً يريد منح اليهود وطناً في فلسطين أو حتى في أي مكان آخر، ولكنه ببساطة كان يريد التخلص منهم ليرحلوا عن أوروبا. 

ولا يمكن التصور بأن يهودياً متطرفاً في منظمة الهاغانا كان يشجع إيخمان على المزيد من اضطهاد اليهود ومنها المحرقة في الحرب العالمية الثانية والتي تقول الرواية إنها التهمت ستة ملايين يهودي.

لكن تقاطع المصالح بين الأعداء ليس شيئاً جديداً، وإن كان مقززاً للنفس ومأسوياً وهو على كل الأحوال له فلاسفته ومنظّروه، وقاعدته الأساسية هي البراغماتية والمركانتيلية والماكيافيلية. 

من ضمن تقاطع المصالح هي حاجة طرف إلى عداء الآخر ليسوغ وجوده ومنطقه وحتى إخفاقاته وفشله. 

إحدى الأساطير التي لا تزال قيد التداول في الدفاع الممانع عن إيران هي أنها الدولة التي أعلنت عداءها المطلق لإسرائيل، وأخذ مؤسس جمهوريتها الإسلامية على عاتقه قيادة معركة تحرير القدس وأسس ليوم القدس العالمي. الكل يعلم الآن عن العلاقات العسكرية والتجارية التي لم تنقطع بين إيران ولاية الفقيه وإسرائيل، من «إيران غيت» إلى «عوفرغيت»، ولكن تصوروا لو لم تعلن ولاية الفقيه عداءها لإسرائيل فكيف كان لها أن تتسلل إلى العالم العربي والإسلامي خافية حقيقتها الإمبراطورية المذهبية بقناع المواجهة مع الشيطان الأكبر؟

وتصوروا إسرائيل «نتنياهو» اليوم من دون مشروع نووي إيراني يهدد الدولة اليهودية بالفناء. تصوروا إسرائيل من دون ميليشيا «حزب الله« على حدودها الشمالية، تصوروها من دون صواريخ حماس في غزة، تصوروا إسرائيل من دون خطابات عنترية يلقيها زعيم ما فوق الركام والجثث رافعاً رايات النصر، مهدداً ومتوعداً والغضب يرسم سحنته والرزاز يتشظى من فمه على رؤوس السامعين؟ 

تصوروا إسرائيل للحظة من دون هؤلاء، فما الذي يبقى لليمين الإسرائيلي المتطرف ليسوغ وجوده في قيادة الدولة الغاصبة وليدعم تهربه من التسويات؟ 

إنها حاجة الأعداء الى بعضهم بعضاً.

تقاطع المصالح الثاني بين إيران وإسرائيل يأتي من إضعاف الدول العالقة جغرافياً بينهما، وهي الدول ذاتها التي تعاني اليوم من الدمار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وهي تحديداً لبنان وسوريا والعراق في الشمال، واليمن في الجنوب. ولا داعي لشرح تفصيلي لهذا الواقع، فإيران تستثمر في هذا الخراب لقناعة أنها ستخرج رابحة في مساوماتها الدولية على مصائب الآخرين، أما إسرائيل فلم تشعر يوماً بالأمان كما هي اليوم بعد الدمار الذي لحق بكل ما يحيط بها من مجتمعات، وبالأخص تلك التي بقي فيها بعض من التعددية.

تقاطع المصالح الثالث هو بين التطرف التكفيري لولاية الفقيه الشيعي الأصول، والتطرف التكفيري لـ»داعش« وبناته السنّية الأصول، فلم يعد خافياً أن الواحد منهم اليوم يأخذ دافعاً من الآخر ويتحجج بالآخر ويأخذ المثل والمثال من الآخر. 

لقد أدخل التطرفان هلالنا الخصيب، الذي سماه قائد الحرس الثوري الهلال الشيعي، في حلقة مفرغة من العنف المذهبي، فكلما زاد توحش طرف أخذه الآخر سبباً لتوحشه، فتزداد الأحقاد لتتصلب كل جماعة حول سفاحها لاعتقادها أن الغلبة لصاحب المخالب الأكبر.

تقاطع المصالح الرابع هو بين التطرف الإسلامي والتطرف اليهودي، فكلما تمادى التطرف السني في رفع الشعارات الإلغائية والتكفيرية ولو فقط قولاً، وكلما تكاثرت مشاهد الذبح العلني وتكسير التماثيل وحرق الأيقونات ورفع ألوية الخلافة، كلما زادت قناعة القاصي والداني بأحقية إسرائيل بسياسة الفصل العنصري الديني، لأن كل مسلم أصبح مشروع أمير في «داعش« ما، في يوم ما، فكيف يمكن إعطاء الفلسطيني حقوقه بدولة وهو جزء من هذا المشروع؟ 

لماذا هذا الكلام الآن؟ 

لأن ما حدث في قرية «قلب لوز» في لحظة تاريخية طردت فيه المقاومة السورية نظام القتل من إدلب، بدا واضحاً أن منطق الصلف والتطرف هو العميل السري الذي تركه هذا النظام وراءه. 

أريد أن أعتذر من وليد جنبلاط ومن حسن مقاصده، فما حصل ليس حادثاً فردياً، بل هو جريمة مروعة ولا يمكن إيجاد أي ظروف تخفيفية لها، وهي إن لم تعد ذات فائدة لنظام الأسد المتوفي منذ زمن، لكن إسرائيل قريبة جداً، فلا تخيروا الناس بين الموت وذل الذمية. 

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»