IMLebanon

كيف تدعم أحكام الإعدام التطرّف؟

«لأنه لا يوجد مجرم مسؤول بالكامل، ولا توجد عدالة دون ذلات، فإن حكم الإعدام يصبح ساقطاً أخلاقياً« «إن حكم الإعدام هو فعل إرهاب لن يؤدي إلا إلى الإرهاب المضاد« (روبير بادينتر، أيلول )

بصراحة، لم أعد قادراً في المجتمع المدني الحديث على إيجاد أي مسوّغ أخلاقي أو فلسفي أو حتى عدلي مقنع لاستمرار عقوبة الإعدام. فحتى منطق الإنتقام الشخصي قد يكون قاصراً عن تسويغ الإستمرار في هذه الأحكام، إلا إذا بقيت العقول ملتصقة بمنطق القبائل.

ببساطة أنا ضد حكم الإعدام لأي سبب من الأسباب، فحجز الحرية في سجون محكمة قد يكون أشد وقعاً على المحكوم من موت قد يريحه من عذاب الضمير. 

لكن القضية اليوم ليست للحديث عن حكم الإعدام بالمطلق كقضية حقوقية أو فلسفية، بل الحديث هو عن أحكام التصفية الجماعية التي صدرت بحق أركان الحكم السابق في مصر، ومن ضمنهم قادة الإخوان المسلمين. 

لست هنا في وارد مناقشة أسباب الحكم، ولا حتى الجرائم التي بني على أساسها العقاب الجماعي، فكلنا أبناء عالم ثالث، وربما أدنى، وكلنا نعرف أن القضاء المستقل والمحقق العدلي صاحب الضمير، والحاكم المتجرد من الحسابات الشخصية هي كلها من مستحيلات عالمنا.

لذلك فكلنا نعلم أيضاً أن من كان في موقع السلطة قادر، وبسهولة مطلقة، على صياغة أبشع وأشنع التهم بحق أخصامه ومعارضيه.

وهو نفسه قادر على تغطية كل ارتكابات ازلامه ومريديه، تحت حجج شتى. وهو قادر أيضاً على تخوين مواطنيه لمجرد أنهم تواصلوا مع أي طرف خارجي إن لم يكن ذلك لمصلحته، ورفع مواطنين آخرين إلى درجة ابطال الأمة للتهمة ذاتها، إن كانت لمصلحته.

ولا اريد أن أدخل في جدلية أنه لو كان الوضع في مصر بالمقلوب، أي أنه لو كان مرسي اليوم مكان السيسي، فهل كان سيصدر أحكاماً مماثلة على معارضيه؟!.

تجاربنا في العالم العربي تؤكد أن كل حكم، حتى وإن أتى دون قتال أو عنف، فإن أولى مهماته تكون دائماً التنكيل بالطرف المهزوم، طبعاً إما بالقضاء عليه سياسياً أو قانونيا وصولاً إلى حد الإلغاء جسدياً.

ولن أتطرق هنا حتى إلى توصيف ما حدث في مصر ما بين حكمَي مرسي والسيسي، فلا توصيف ثورة ولا انقلاب ولا حتى صحوة تصح في هذا الوضع، وقد يكون ما فعله السيسي والجيش من ورائه محاولة لإنتشال مصر من حرب أهلية كانت تبدو قاب قوسين، فكل ما يهمني أنا العربي أن أرى مصر مستقرة وسائرة نحو الإزدهار على أمل أن تستعيد بعضاً من الوزن الذي افتقدناه لعدة عقود بغياب هذا البلد عن السمع. وربما خيّل لنا أن بعضاً من الصرامة المؤقتة في الحكم قد تؤدي إلى تسريع الوصول إلى الإستقرار، ولو على حساب بعض الحرية.

لكن الأحكام التي صدرت، وبشكل يشبه التصفية الجسدية المنهجية لقيادات المعارضة مهما عظمت الإتهامات، وحتى الصحيحة منها، لا يمكن إلا أن تدفع إلى المزيد من ردود الفعل والتصلب والعنف. صحيح أن هذه الأحكام قد ترهب الأكثرية العظمى من المعارضين، وربما لفترة من الزمن، ولكنها ستدفع بالقلة الأكثر عقائدية وحقداً وصلابة إلى اللجوء إلى العمل السري، وعلى الأرجح إلى دوامة العنف والإرهاب.

مصيبتنا أن لا أحد منا يتعلم من دروس الماضي، ففي سنة ، وفي الوقت ذاته الذي تعنت جمال عبد الناصر فيه بتنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب، ولدت أسطورة الإرهاب الإسلامي الذي لا يزال يضرب الإسلام والعالم بعنفه.

فحفاظاً على مصر وعلى الإسلام من المزيد من المآسي، على الرئيس السيسي أن يتدخل لإلغاء تلك الاحكام، علّه بذلك يكسر حلقة العنف المغلقة.

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»