قرار رئيس مجلس النواب نبيه بري المبدئي بتحرير المجلس من مصادرة ممارسة صلاحياته التشريعية، يعيد النقاش حول قانونية الذرائع التي يستند إليها «المصادرون»، ولعل أول ما يثار في هذا المجال اعتقاد البعض بعدم جواز التشريع في حال خلو سدة الرئاسة، وإحداث شلل في المؤسسات الدستورية بهدف الضغط لاستعجال انتخاب فخامة الرئيس.
وبصرف النظر عن الجانب القانوني الذي «يترفع عن نقاشه» بعض أعضاء المجلس الدستوري السابقين، وهو أمر كان قد أثير سابقاً، يمكن القول إن «قرار المصادرة» قد مضى عليه ما يقارب السنتين. فإذا كان الهدف من مصادرة الصلاحيات هو الضغط من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، فلماذا لم يتم انتخابه بعد هذه المدة الطويلة؟ ألا تعتبر مثل هذه المدة التي تقارب ثلث (3/1) ولاية الرئيس كافية للحكم على نتائجها؟
وما يمكن توقعه اليوم هو أن يعيد المصادرون للصلاحيات دور هيئة مكتب مجلس النواب في «تقرير جدول جلسات المجلس»، وهو الأمر الذي أدى سابقاً إلى إحباط أكثر من محاولة لعقد جلسة تشريعية وانتهى ببدعة مشاريع الضرورة التي أخذت بعض الكتل المعارضة لتحرير الصلاحيات بالتلميح بها، مستبقة بذلك اجتماع هيئة الحوار.
ولكن الملفت أن مجمل هذه المقولة، وتحديداً ما يتعلق منها بدور هيئة المكتب، لم تأخذ الأهمية اللازمة بفعل التسليم بأن لهيئة المكتب حق «الفيتو» على قرار رئيس المجلس الدعوة لجلسة تشريعية، وهذا ما يجب التوقف عنده.
لا جدال في أن رئاسة المجلس هي الجهة الحصرية التي تقرر عقد الجلسة ومتى تعقد، وليس في الدستور ولا في النظام الداخلي أي نص يمكن حتى الاجتهاد فيه لتجاوز تلك الحصرية. وانطلاقا من ذلك يأتي دور هيئة المكتب المنصوص عنه في المادة 9 من النظام الداخلي، وفيه «تقرير جدول الاعمال لكل جلسة..».
والسؤال هنا، هل لهيئة مكتب المجلس أن تعطل صلاحية رئيس المجلس بقرار الدعوة بعدم تقرير جدول الأعمال؟ وإذا كان الأمر غير ذلك، فماذا تقرر الهيئة إذاً ولماذا انيطت بها تلك الصلاحية؟
يمكن القول أولاً إنه عندما تدعو رئاسة المجلس إلى جلسة وتحدد موعدها، لا تقدم على ذلك من دون أن يكون أمامها مشاريع واقتراحات قوانين قد أنجزت اللجان المختصة درسها، وهي قد تكون كثيرة أو قليلة العدد، ومنها ما هو ملحّ ومنها ما يحتمل التريث. ومن هذه الزاوية تحديداً ينشأ دور هيئة المكتب في «تقرير جدول الاعمال». ولتأكيد ذلك، فإنه عندما تجتمع الهيئة، يضع رئيس المجلس جدولاً بالمشاريع والاقتراحات التي أنجزت، وقد تكون بالعشرات، كما حصل في مرات عديدة سابقاً. فالهيئة تقرر ما يمكن ان تعتبره أكثر استعجالاً من غيره. وفي هذا يمكن القول بالمشاريع الضرورية، أي تلك التي لها أولوية على ما عداها، في حال وجود عشرات المشاريع على اللائحة التي يضعها رئيس المجلس، أما إذا كان عدد المشاريع عادياً لا يتخطى معدل ما ينجزه المجلس في أي جلسة، فإن دور الهيئة يقتصر على اعداد تسلسل لتلك المشاريع على جدول الاعمال، وإلا كيف يمكن لها أن تعطّل قرار الرئاسة، وبالتالي تعطل الجلسة التي تمت الدعوة إليها؟!
وهنا يمكن الإشارة إلى أن رفض الهيئة تقرير جدول الاعمال، وبأي صيغة جاء بها هذا الرفض، يمكن أن يولي رئاسة المجلس تقرير الجدول باعتبار الهيئة العامة للمجلس تملك «الرقابة اللاحقة» عليه بالطلب، عند طرحه، تأجيل مناقشته إلى جلسة لاحقة أو إلى آخر جدول الاعمال.. ولهذا، فإن هيئة المكتب مدعوة إلى ممارسة صلاحياتها من دون زيادة او نقصان، فالنص لا يحتمل تأويلاً كما جرى في مرات عديدة سابقاً.