مع تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل أوّل حكومة في عهد الرئيس ميشال عون، والتي من المُتوقع أن يتمّ تشكيلها في وقت قصير، يُطرح السؤال عن كيفية مواجهة هذه الحكومة لاستحقاقات ينبغي تسديدها بقيمة ٨ مليارات دولار في العام ٢٠١٧؟
العام ٢٠١٧ سيكون عاما ماليا بامتياز حيث هناك العديد من إصدارات لسندات خزينة ستصل إلى نهايتها، وبالتالي يتوجب على الدولة اللبنانية دفع الفائدة على هذه المبالغ إضافة إلى رأس المال الأصلي. ومن هذه الإصدارات هناك خمسة بالدولار الأميركي بقيمة ٣,٠٦ مليارات دولار أميركي.
وإذا ما قمنا بحساب فوائد هذه الديون إضافة إلى فوائد الإصدارات الأخرى بالدولار الأميركي الواجب دفعها في العام ٢٠١٧، نجد أنّ مجموع الإستحقاقات من رأس مال وفوائد هو ٤,٦٢ مليارات دولار أميركي.
من جهة أخرى هناك استحقاقات لإصدارات بالليرة اللبنانية تصل إلى نهايتها في العام ٢٠١٧ والتي مع الفوائد يصل مجموعها إلى ٤٩٥٠ مليار ليرة لبنانية أي ما يوازي ٣,٣ مليارات دولار أميركي، لتكون بذلك إستحقاقات الدولة من الدين العام (رأس مال + فوائد) في العام ٢٠١٧ هو ٧,٩٢ مليارات دولار أميركي!
كذلك الأمر بالنسبة إلى العام ٢٠١٨ حيث تبلغ قيمة استحقاقات الدين العام (بالدولار والليرة اللبنانية) وخدمته ٧,٣٢ مليارات دولار أميركي.
هذه الأرقام المُخيفة تطرح السؤال عن قدرة الدولة اللبنانية على اقتراض ١٥,٢٤ مليار دولار أميركي خلال عامين مُتتاليين – أي ما يوازي ٣٤٪ من الناتج المحلّي الإجمالي؟
المُشكلة تكمن في أنّ المبلغ المطلوب هو رقم ضخم وليس بالسهل إقناع المصارف أو الأسواق بتسليفه للدولة في ظل تراجع الوضع الاقتصادي والمالي.
وحتى لو افترضنا أنّ المصارف التجارية قبلت بهذا الأمر، فإنّ هناك مُشكلة تصنيف هذه المصارف التي سترى تراجعاً ملحوظاً في تصنيفها الإئتماني نظراً للتعرّض الكبير لدين الدولة اللبنانية بالتزامن مع غياب الخطط الإقتصادية والإصلاحات التي يحتاجها الاقتصاد ويَتعطّش لها.
والمعروف أنّ امتصاص الدين العام لا يُمكن أن يكون إلّا عبر النمو الاقتصادي الوحيد القادر على مَحو الدين. لكنّ المُشكلة في أنّ غياب الاستثمارات جعلت من هذا النمو يُلامس الصفر، وحتى لو افترضنا أننا بدأنا بالاستثمارات الآن فإنّ النتيجة لن تظهر قبل سنة أو سنتين.
وبالنظر إلى الميزان الأوّلي الذي يقيس الإنضباط المالي للدولة، نرى أنّ هذا الميزان سجّل عجزاً في العام ٢٠١٣ بقيمة ٢٤٠ مليون دولار أميركي، وفائضاً بقيمة ١,٣ مليار د.أ. في العام ٢٠١٤، وفائضاً بقيمة ٧٢٤ مليون د.أ. في العام ٢٠١٥ وفائضاً بقيمة ٤٩٥ مليون د.أ.
في الأشهر الستة الأولى من العام ٢٠١٦. وهنا تكمن المُشكلة إذ انّ هذا الميزان يجب أن يُسجّل فائضاً أقلّه بقيمة خدمة الدين العام لكي يكون هناك إنضباط مالي. وبالنظر إلى قيمة خدمة الدين العام البالغة ٤ مليارات د.أ. أميركي، نرى أننا بعيدون جداً عن الإنضباط المالي وهذا الأمر يُترجم بارتفاع في الدين العام.
وممّا يزيد الوضع سوءاً، الإرتفاع العشوائي في الإنفاق الذي ارتفع من ١٤٩٥٧ مليار ليرة في العام ٢٠٠٨ إلى ٢٠٣٩٣ مليار ليرة نتيجة ارتفاع بَندَي الأجور وخدمة الدين العام. فهذان البندان لوحدهما يستهلكان كل إيرادات الدولة والبالغة ١٤٤٣٥ مليار ليرة لبنانية (٢٠١٥) وذلك بنسبة ٥٠٪ لكل بند! وهذا الأمر بحدّ ذاته دليل على «الفلتان المالي» الذي أصبح يُشكّل خطراً على كيان الدولة اللبنانية.
وكان الأجدى بالدولة تَوقّع وصول إصدارات الدين إلى نهايتها في العامين ٢٠١٧ و٢٠١٨ منذ عدّة سنوات لكي تعمد إلى جمع الأموال بنسَب مقبولة لا تُلزمها اللجوء إلى اقتراض مبالغ هائلة كما هي الحال الآن.
ويعود سبب عدم التنبؤ إلى غياب الموازنات التي من المفروض أن تكون على فترة خمس سنوات. إلّا أننا ونحن في هذه الحال، تجد الدولة نفسها أمام واقع أليم وعليها إيجاد الحلّ الأفضل الذي يحمي كيان الدولة من الإنهيار.
الحلول المطروحة
لا يوجد أمام الدولة الكثير من الخيارات، وبالتالي فإنّ الحنكة تبقى في اختيار الحلّ الأقل كلفة والأقلّ ضرراً:
أولاً – إقتراض المبلغ من المصارف اللبنانية: هذا السيناريو سيواجه عقبة التردد من قبل المصارف نتيجة الوضع المالي والإقتصادي المُتردّي للدولة اللبنانية. ومع غياب خطّة إقتصادية وبالتالي موازنة، من الصعب إقناع هذه المصارف بإقراض الدوّلة إلا إذا تمّ رفع الفوائد. هذا الأمر سيواجَه أيضاً ببعض التحفّظ من قبل المصارف لأنّ إقراض الدولة مثل هذا المبلغ سيُعرّض المصارف إلى تخفيض لتصنيفها الإئتماني.
ثانياً – إقتراض المبلغ من مصرف لبنان: هذا السيناريو يفرض حالة من اثنتين، الأولى تغطية المبلغ من الإحتياط ممّا يعني ضرب الليرة اللبنانية أو الثانية تغطية هذا المبلغ من طبع العملة وهذا يعني أنّ الدولة بدأت بسدّ دينها من التضخّم. وهذا يعني أنّ الجيل الحالي ينقل إلى الأجيال المُستقبلية دينه لأنّ كل محاولة مُستقبلاً لتخفيض التضخّم ستؤدّي حتماً لرفع الدين من جديد!
ثالثاً – إقتراض المبلغ من صندوق النقد الدولي: هذا السيناريو هو مثالي مع اعتقادنا بأنّ صندوق النقد الدولي لن يُقرض الدولة اللبنانية هذا المبلغ نظراً للعشوائية في إدارة ماليتها.
وبفرضية أنّ الصندوق قبل إقراض لبنان هذا المبلغ، فإنه سيفرض شروطاً على الدولة تتمثّل بموازنات تقشفية وإصلاحات إقتصادية بنيوية. في هذه الحال هناك مُشكلة وتيرة تنفيذ هذه الشروط التي ستجعل لبنان يعيش واقعاً إجتماعياً مُشابهاً للواقع الاجتماعي في اليونان!
رابعاً – إقتراض المبلغ من عدّة جهات في الوقت نفسه: هذا السيناريو هو الأرجح، وباعتقادنا فإنّ الأساس من المبلغ سيتمّ اقتراضه من المصارف التجارية ومن مصرف لبنان (بالتساوي). والوجه السيئ لهذا السيناريو هو أنّ غياب الإصلاحات سيزيد الوضع سوءاً نظراً إلى غياب الإجراءات لتصحيح الوضع.
في كل الأحوال يُمكننا القول إنّ زمن رفع الضرائب حلّ والمُرشّح الأول يبقى الضريبة على القيمة المُضافة التي قد تصل إلى ١٥٪ في اقتراحات مشاريع الموازنات في الأعوام القادمة. من هنا نرى أنّ على كاهل رئيس الجمهورية وحكومته العتيدة مسؤولية ضخمة تفوق أهمية الانتخابات النيابية أو أي استحقاق آخر.