الى متى يظل لبنان محكوماً من الخارج القريب والبعيد وغير قادر على أن يحكم نفسه بنفسه ويتوصل الى حل المشكلات التي يواجهها بأقل كلفة من حل يأتي به الخارج؟ فلو أن القادة في لبنان توصلوا الى حل لمشكلة السلاح الفلسطيني لما كان فُرض عليهم “اتفاق القاهرة”، ولما كان لبنان واجه حرباً مدمرة استمرت 15 سنة أعادته اقتصادياً سنوات الى الوراء. ولو انهم عرفوا كيف يتوصلون الى وقف هذه الحرب بأقل كلفة ممكنة، لما كان فُرض عليهم “اتفاق الطائف” الذي فرض على لبنان وصاية سوريا لتوقف الاقتتال فيه وترعى تنفيذه. ولو أنهم عرفوا كيف يتوصلون الى تنفيذ القرارات الدولية لتحرير الاراضي اللبنانية التي تحتلها اسرائيل لكانت الهدنة هي التي تحكم العلاقات بين الدولتين، أو كان تم عقد اتفاق سلام على غرار ما فعلته مصر والاردن، ولما كان يواجه ولا يزال مشكلة السلاح داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها ومشكلة سلاح “حزب الله” لمقاومة اسرائيل، وهي المشكلة التي لم يتم التوصل الى حل لها لتعذّر اتفاق القادة في لبنان على هذا الحل لأن الخارج هو الذي يتدخل في شؤون لبنان الداخلية من خلال ارتباط بعض القادة فيه الى حد الارتهان والانصياع لما يريد، ما جعلهم ينقسمون حول كل موضوع مهم ويتعذر عليهم التوصل الى حل لأن خارجاً يشد بفريق نحو جهة وخارجاً يشد بفريق آخر نحو جهة. فكان انقسامهم حول السلاح الفلسطيني ما أشعل حرباً داخلية لتعذر الاتفاق على حل له، فكان الحل وصاية سوريا على لبنان دامت 30 عاماً. ثم كان انقسامهم حول هذه الوصاية بين من يطالب ببقائها ومن يطالب بانهائها، الى أن كانت الانتفاضة الشعبية التي عرفت بـ”ثورة الارز”، وها هم ينقسمون بعد انتهاء الوصاية بين من هم مع المحور الايراني – السوري ومن هم ضده، ومن هم مع بقاء سلاح “حزب الله” لمواجهة اسرائيل ومن هم ضد بقائه ليكون سلاح الدولة وحده هو من يتحمل مسؤولية صد اي اعتداء على لبنان، ففُرض عليهم “اتفاق الدوحة”.
وحاول الرئيس السابق ميشال سليمان اخراج اللبنانيين من حالات انقسامهم بالاتفاق على “اعلان بعبدا” الذي يبقي لبنان خارج صراعات المحاور فلا يعود فيه من ينحاز الى هذا المحور او ذاك. لكن استمرار ارتباط فئة لبنانية بالخارج عطّل الالتزام بـ”اعلان بعبدا” بعدما عطّل تنفيذ القرار 1701، فكان تدخل فئة لبنانية في الحرب السورية التي يواجه لبنان تداعياتها الخطيرة ويرى نفسه عاجزاً حتى عن الحد منها، وقد جاءت اليه بلاجئين سوريين بأعداد كبيرة ينوء تحت عبئهم، وبارهابيين يتسللون عبر الحدود اللبنانية – السورية، فيزعزعون الأمن والاستقرار فيه ويجعلون الأجواء غير مؤاتية لاجراء انتخابات نيابية في موعدها، وتعذّر التوصل الى اتفاق على اجراء انتخابات رئاسية، لأن بين اللبنانيين من يدير اذنيه للخارج ليسمع ما يقول له، وليس ما تقوله له مصلحة لبنان ومصلحة اللبنانيين.
لذلك فان الزعماء اللبنانيين لن يصبحوا قادرين على ان يحكموا أنفسهم بأنفسهم الا عندما يفكون ارتباطهم بأي خارج ويقدمون مصلحة الوطن على اي مصلحة، ولا يعملون الا بوحي ضميرهم وبارادة من يمثلون وليس بارادة خارجية ولمصلحة هذا الخارج، ولا يظل لبنان يحكم من دون نظام ولا دستور، وكل خارج يجد فرصته للتدخل في شؤونه الداخلية ليبقى ساحة مفتوحة للصراعات والتجاذبات يدفع ثمنها من سيادته وحريته واستقلاله. واذا كان لا بد من تدخل خارجي فليكن ايجابياً ومساعداً للبنانيين، وليس سلبياً للعرقلة. واذا كان لا لوم على خارج يتدخل خدمة لمصالحه، فاللوم على داخل يكون في خدمته وعلى سياسيين ينفذون توجيهات الخارج وإن على حساب لبنان، فيصح فيهم قول الامام الشافعي: “يعيب زماننا والعيب فينا/ وما لزماننا عيب سوانا”.
ان لبنان يواجه اليوم ما واجهه في الماضي عند كل استحقاق رئاسي. فهل ينتظر بعض الزعماء فيه كلمة الخارج او الوحي ليتخذ موقفاً من الانتخابات للمرحلة الدقيقة… الرئيس الذي يستطيع ان يحافظ على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، ويجيد تدوير الزوايا لحل الأزمات، ويعرف كيف يحافظ على التوازنات لأن حدوث اي خلل فيها يصدّع الوحدة الوطنية ويهدد السلم الأهلي فيصبح الرئيس القوي ضعيفاً، والرئيس الضعيف يصبح قوياً عندما ينجح في الحفاظ على التوازنات تجنباً للأزمات.