بالنسبة الى سياسيين لبنانيين عرفوا الرئيس السوري بشار الاسد عن قرب وعايشوا مراحل مختلفة من ممارسته وصايته السياسية على لبنان كان الحديث التلفزيوني الذي ادلى به قبل اسبوعين تقريبا وقال فيه انه واثق من دعم ايران وسوريا له بمثابة الحديث الذي كشف الحال الذي اصبح عليه الرئيس السوري والاقل اهمية بين كل ما تفوه به منذ اندلاع الازمة السورية العام 2011 . باتت الكلمة في دمشق وفقا لهؤلاء السياسيين لدى ايران التي تحسم في كل صغيرة وكبيرة ولم يعد من اهمية ينبغي فعلا ايلاؤها للاسد ما دام موقعه ومصيره مرتبطين بمدى قدرة ايران. ودخول روسيا بقوة على خط توريد المعدات العسكرية الى جيش النظام من اجل تعزيز قدراته الدفاعية كما اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يفيد بحتمية حاجة الاسد الى التدخل الروسي من اجل رفده بالقدرة على الاستمرار والصمود. وفيما يؤكد مسؤولون لبنانيون ان التدخل الروسي على صلة بالدفاع عما بات يعرف بسوريا المفيدة في ظل خسارة النظام مناطق حيوية قد تساهم في تقطيع اوصال المدن الحيوية التي يسيطر عليها وصولا الى اللاذقية معقل النظام، فإنهم لم يثقوا في عز الحركة في اتجاه روسيا ما بعد توقيع الاتفاق النووي بما في ذلك حركة الاتصالات والانفتاح العربي الخليجي في اتجاهها وكذلك محاولتها الجمع بين اهل النظام والمعارضة في سوريا بأن تتعدى هذه الحركة الروسية اطار التكتيك من اجل جمع اوراقها في سوريا وتحسين موقعها للتفاوض في هذا الملف. الا ان ذلك لا ينفي اثارة جملة اسئلة امام روسيا وايران في الدرجة الاولى وكل من يقول بأن “مصير بشار الاسد يقرره السوريون انفسهم” انطلاقا من ان مصيره يحاول ان يقرره حلفاؤه من دون ترك الامر للسوريين لان يقوموا بذلك في مقابل اصرار الدول الغربية على المطالبة بالا يكون للاسد اي دور في مستقبل سوريا. فكيف يمكن ان يقرر السوريون مصير الاسد اذا كان حلفاؤه دخلوا على خط الدفاع ميدانيا عن استمراره اولاً من خلال ايران والميليشيات التابعة لها في العراق ولبنان والتي لا تزال تخوض الحرب الى جانبه او بالنيابة عنه على ما يحصل منذ شهرين على الاقل في الزبداني من دون حسم المعركة هناك ومن ثم من خلال دعم روسي اكثر انخراطا من السابق، ما لم يكن ذلك من اجل المحافظة على القدرة على ابقائه على طاولة التفاوض وعدم انهياره قبل الجلوس اليها. وماذا يبقى للسوريين ان يقرروه حين تحسم سلفا الاتجاهات التي ينبغي عليهم التفاوض في شأنها؟
فمع دخول دول جديدة على خط الانخراط في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا ايضا الى جانب العراق كما اعلنت كل من فرنسا وبريطانيا واوستراليا وصولا الى بلجيكا التي اعلن رئيس وزرائها شارل ميشال ان بلاده تفكر بشن عملية عسكرية في سوريا من اجل وقف تدفق اللاجئين كما قال “بتفويض دولي من الامم المتحدة او يمكن استخدام تشريعات دولية اخرى وحق الدفاع عن النفس”، يصعب ان تبقى روسيا خارج البازار وفق ما تقول مصادر متابعة. فالاجواء السورية باتت مجالا رحبا لكل التدخلات الدولية الى الحد الذي لم يعد احد يسمع النظام يعترض على اي خرق للسيادة السورية ولا كذلك على اي اعتراض من جانب حلفاء النظام اي روسيا و ايران. فروسيا تريد تنظيم هذا التدخل الدولي من اجل ان يكون مع رأس النظام ويساهم في تعويمه استنادا الى التنسيق معه مسبقاً ما دام هذا التدخل تحت عنوان مواجهة تنظيم داعش. وهذا وجه آخر من وجوه السعي الى امداده بمقومات الحياة والاستمرار.
ويقول السياسيون اللبنانيون ممن اكتسبوا تجربة الحرب اللبنانية مع التدخلات الدولية والاقليمية التي تعاقبت على لبنان ابان حربه الاهلية ان روسيا تسعى الى الضرب بسرعة على وتيرة تدفق اللاجئين من جهة الى الدول الاوروبية بذريعة هربهم من تنظيم الدولة الاسلامية فقط خصوصا ان الدول الاوروبية توافق الروس على ان هجرة اللاجئين تعود الى سيطرة التنظيم الاصولي من دون الاشارة في الوقت نفسه الى مسؤولية الاسد في هذا الاطار. فملف اللاجئين في اوجه راهنا وكذلك الغضب من الارهابيين بحيث يمكن توظيف هذين العاملين من اجل محاولة تعويم النظام سياسيا وثمة دول اوروبية عبرت عن اتجاهات مختلفة عن توجهات المجموعة الاوروبية ازاء مصير الاسد. وثمة تساؤلات في هذا الشأن حول ما اذا كانت روسيا تحاول ان توظف العداء القائم بين الدول الخليجية وايران ودورها في سوريا من اجل الحصول على دعم لها انطلاقا من ان التدخل الروسي لانقاذ النظام لا يبقي هذا الاخير رهينة في يد ايران وحدها وان وجود قوة روسية في سوريا اخف وطأة من التمدد الايراني بالنسبة الى العالم العربي على الاقل وذلك من خلال السعي الى تحديد التأثير الايراني وعدم استئثاره بالدفاع عن استمرار النظام وتأمين بقائه. ويشير البعض في هذا الاطار الى المنطق نفسه الذي تبنته مصر عن روسيا مثلا في مسألة ترك تقرير مصير الاسد الى السوريين انفسهم في خرق للمجموعة العربية في هذا الاطار.