IMLebanon

كيف السّبيل إلى احتواء التداعيات والحؤول دون تكرار ما حصل في رومية؟

قيل الكثير عن الفيلم – الفضيحة في سجن رومية وتعددت التحليلات والاستنتاجات عن الاهداف الكامنة وراء تسريب تسجيل مصور لضرب سجناء بشكل وحشي بلغ حد أعمال التعذيب التي هزت العالم ولا تزال في سجون الانظمة الديكتاتورية المتوحشة وفي مرحلة من الحرب على العراق، في “أبو غريب” و”غوانتانامو”، وكل المواقف الجدية تقاطعت عند الجزم بأن الهدف الابرز لتلك التسريبات، جريمة تضاهي جريمة التعذيب فظاعة، وهي إحداث فتنة طائفية ومذهبية في لبنان، “تتناغم” مع حريق المنطقة وذلك ضمن محطات كثيرة بلغت ذروتها منذ عشر سنوات على الاقل ولا تزال مستمرة: تعددت المحاولات والهدف واحد!

ونظرا الى خطورة الفيلم – الفضيحة، فان أي محاولة لتمييع التحقيقات فيها، تشكل مشاركة فيها وفي تداعياتها…

قد لا يكون منفذو الاعتداء على السجناء ومسرّبو التسجيل المصور على علم بالاهداف المطلوبة من وراء فعلتهم، ولكن، قطعا هناك من خطّط وحرّض ويجب أن تكشفه التحقيقات التي تعهّد المسؤولون بأنها ستكون جدية وشفافة، وهؤلاء أقدموا على ما فعلوا من أجل أهداف مشبوهة وخطيرة تستهدف الامن وقتل الناس أولا وأخيرا، ومن حق الناس على الاقل، معرفة نتائج التحقيقات وفي أسرع وقت.

ولئن يكن الحدث الخطير قد أحدث ردات فعل على المستوى الشعبي، فانها كانت طبيعية ولم تتعد حركة اعتراض وصرخة احتجاج، كما أن المواقف السياسية ولا سيما للوزراء المعنيين، كانت عاقلة ومدروسة، وساهمت في استيعاب تداعيات الحدث تدريجا، وأما بعض الاصوات ذات الطابع التحريضي، من حيث يدري اصحابها او لا يدرون، فتصب في الاهداف نفسها لمنفذي الاعتداء والمخططين له، “وهؤلاء المنفذون والمخططون داعشيون أكثر من داعش ويشتغلون عندها” وفق وصف وزراء وسياسيين. فمن يحاول ايجاد البيئة الحاضنة لتلك الجماعة ومثيلاتها، بالتأكيد يشتغل عندها، ويبدو واضحا أن الهدف، ومن خلال اختيار هوية السجناء وانتمائهم المناطقي، واستتباع تسريب الشريط المصور بمعلومات عن أن احد المعتدى عليهم هو شيخ وما شابه من تعليقات، كلها تصب في المكان نفسه… ومرة جديدة يثبت أبناء طرابلس وعكار والشمال عموما انهم أكثر وعيا من بعض الساسة والاحزاب، وانهم يرفضون ان يكونوا أدوات لتنفيذ المخططات الجهنمية.

ومن موقعه الوزاري والسياسي والشمالي الطرابلسي يفاخر الوزير رشيد درباس بوعي أبناء طرابلس والشمال ولا سيما منهم البسطاء الذين يدفعون ثمن تلك المخططات التخريبية، ويعرب عن ثقته بسقوط محاولات جديدة تستهدف طرابلس تحريضا ومحاولات افتعال حوادث أمنية. ويقول: “منذ اقفال سوق القمح… أي الاشتباكات غب الطلب بين جبل محسن وباب التبانة، بات واضحا أن الناس في الأساس، في مكان آخر وأن المدينة ليست كما يحاولون تصويرها وتشويه حقيقتها وصورتها الانسانية والحضارية وتعبئة الناس فيها وضدها، وقد ثبت لاحقا أن الاشتباكات كانت مفتعلة ويقف وراءها متاجرون بدماء الناس”.

ويقول درباس في حلقة ضيقة مع صحافيين إنه لو كان يريد أن يكتب غدا لدعا الى “إقامة خنادق على طول الحدود اللبنانية وملئها بالماء لمنع امتداد الحرائق من الخارج إلينا، لا بالمتفجرات والسلاح لاستجرارها”. ويتحدث عن “داعشية اعلامية وسياسية مهمتها شحن النفوس وصب الزيت على النار لتخويف جمهورها وتبرير داعشيتها”!

وما بين التوظيف السياسي لما حصل في سجن رومية ومحاولات تحميل وزير الداخلية نهاد المشنوق وزره أو الدفاع عنه ومحاولة ضرب إسفين بينه وبين وزير العدل أشرف ريفي وهما أبناء الكتلة نفسها “كتلة المستقبل”، فان موقف رئيسها سعد الحريري الداعم للوزيرين، ساهم الى حد ما في استيعاب تداعيات الحدث المدوي، “وكان يجب أن يلاقى في منتصف الطريق ولا سيما من قبل “حزب الله” و”تكتل التغيير والاصلاح” وعموم فريق 8 آذار” وفق مرجع سياسي مستقل يرى في الوقت نفسه أن “هذا الحدث الخطير كان يمكن ان يوظف في اطار الهجوم المضاد من خلال كلمة حلوة وموقف عاقل يساهم في اطاحة اهدافه وهي اجرامية قذرة شأنها شأن محاولات سابقة بأشكال مختلفة وفي مناطق محددة”.

وأما الموقف من الوزيرين المعنيين، فلا يجوز ان يستبق التحقيقات واعلان نتائجها، فاذا تمكنا من ذلك فسيكون في استطاعتها احتواء تداعيات الحدث والحؤول دون تكراره. ولعل اقتراح الوزير السابق فيصل كرامي التعجيل في محاكمة السجناء الاسلاميين وحسم أمرهم قبل عيد الفطر، يساهم أكثر فأكثر في معالجة تلك التداعيات.

آن الأوان لوضع السجون في عهدة اختصاصيين وتحت وصاية وزارة العدل، فـ”شغلة” العسكر الحماية والأمن فقط، ولا شأن لهم في الاصلاح واعادة التأهيل!