لا نقاش في أحقّية المطالب الشعبية المرفوعة. البلد تُرك طويلاً للنهب والفساد وسرقة المال العام. وجاءت أزمة النفايات لتضيف بُعداً جديداً الى الأزمة السياسية، ولتفتح المجال واسعاً أمام دفع الوضع اللبناني العام نحو مشهد جديد.
تعتبر مصادر سياسية مواكِبة أنّ التشكيك في مطالب الناس لا يجوز. كلّ ما وصل إليه الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلد جعَل الناس ينتفضون، وكانت أزمة النفايات الشرارة التي حرَّكت الشارع.
وتضيف: «لا شكّ في أنّ قوى خارجية عملت على الاستثمار في الحراك بغية «تحريك الأزمة السياسية». وهنا إختلطت الأمور بين شارع يعمل للضغط من أجل قضايا مُلِحّة وطارئة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وآخر (لا يزال غير مؤثر كثيراً) يعمل بوحي الاستثمار في الأزمات للضغط في إتجاه إنتخاب رئيس جديد للجمهورية».
المَخاوف التي تتداولها الأوساط السياسية بمختلف تلاوينها، تتلخّص في نتائج هذا الضغط على الاستقرار والأمن. وبنحوٍ أوضح، ربما تتطوّر التحرّكات في الشارع في إتجاه فوضوي يؤدّي الى إستقالة الحكومة ووضع القوى السياسية أمام مطرقة الناس وسندان الخارج.
عندها سيكون «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» محرجَين في الملف الرئاسي، وسيكون الطرف الآخر مرتاحاً في الدعوة الى انتخاب رئيس جمهورية وسطي تحت ضغط الشارع والمجتمع الدولي. وربما تكون صُوَر بعض المرشحين التي رُفعت في بدايات «الحراك» مؤشراً الى ما يهدف اليه أصحاب نظرية إحراج «الحزب» والنائب ميشال عون.
في وسع البعض الاستثمار في فوضى «منظمة» لتحقيق أهداف سياسية. لكنّه حُكماً لن يكون قادراً على ضبط حركة الشارع الغاضب والفاقد الثقة بغالبية الطبقة السياسية. هذا مع العلم أنّ هناك تحرّكات «نظيفة» وموثوقة تقوم بها تجمّعات يسارية وعصبها شباب جامعي يساري ومستقلّ لا يتأثر بأيّ ضغط خارجي ولا يعمل بوحي من هنا وهناك.
وترى المصادر عينها أنّ الشعارات المرفوعة لن تُغيّر في طبيعة النظام، إلّا إذا ركّزت على إلغاء الطائفية وإقرار قانون انتخابات على قاعدة النسبيّة. إستهداف الجميع بلا تمييز بينهم لا يخدم الحراك أيضاً. والأفضل إستهداف الذهنية التي تحكّمت بالبلد منذ العام 1992، لأنّ كلّ الفساد الذي نعيشه تتحمّل مسؤوليته هذه الذهنية المستمرّة بالتحكّم في مفاصل النظام.
وعبّرت المصادر عن إعتقادها بأنّ ما بدأ في الشارع لن ينتهي قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإعادة تكوين السلطة وإقرار قانون انتخابي على قاعدة النسبية. وفي هذا السياق دعت للعودة الى «اتفاق الطائف» الذي ينصّ صراحة على تقسيم لبنان انتخابياً الى محافظات ويدعو الى تطبيق النسبية.
أما في ما يخصّ رئاسة الجمهورية، فتتوقع المصادر أن تؤدّي التطوّرات الى تطبيق أحد أمرَين: إما أن يقتنع فريق «14 آذار» بإنتخاب أحد أقطاب «8 آذار» رئيساً للجمهورية في مقابل رئيس حكومة من أقوياء «14 آذار»، وإما أن يُحرج «حزب الله» و»التيار» تحت ضغط الشارع فيمشيان بشخصية وسطية من الاسماء المطروحة».
وتُرجّح المصادر الخيار الأوّل في سياق التفاهم على سلطة بشراكة كاملة ومتوازنة بين فريقَي «8 و14 آذار»، أما الخيار الثاني فيَعني حكومة تكنوقراط تتألّف بعد إنتخاب الرئيس وتكون وسطية بدورها وتجري الانتخابات.
تدعو المصادر الى أخذ الإحاطة الدولية للوضع اللبناني في الاعتبار. وتفترض أن تشهد نهاية العام وبداية السنة المقبلة تحولاتٍ سياسية مهمة، وبالتالي تدعو الى إمرار الفترة الزمنية المقبلة بكثير من الحفاظ على الأمن والاستقرار، وعدم كشف البلد أمنياً حتى لا نكون في مكان ونُصبح في مكان آخر يشبه الى حدٍّ بعيد ما شهدته بلاد «الربيع العربي».